لبنان: الحريري يلتقي عون مجدداً لتشكيل حكومة منتظرة منذ 7 أشهر
ومن شأن الصراع المحموم بين القوى السياسية الكبرى والذي اعتاد اللبنانيون أن يتكرر أمامهم مع كل مساع لتشكيل حكومة
في البلاد، أن يفاقم اليوم الانهيار الاقتصادي المستمر منذ عام ونصف، وأدى إلى تدهور قياسي في قيمة العملة المحلية
وارتفاع معدلات الفقر والبطالة.
وتُعد زيارة الحريري الإثنين الثامنة عشرة إلى القصر الرئاسي منذ تكليفه في تشرين الأول/أكتوبر تشكيل حكومة، وبعد تلويح
فرنسا الأسبوع الماضي بعقوبات محتملة على القادة اللبنانيين بسبب عرقلتهم أي تقدم في المسار السياسي. وقال مسؤول
سياسي، مطلع على مفاوضات تشكيل الحكومة، لوكالة فرانس برس “يبدو تشكيلها صعباً اليوم” إذ لا تزال هناك اختلافات في
الطروحات بين الأطراف. وأضاف “الوضع لا يبشر بولادة حكومة”.
وبرغم ثقل الانهيار الاقتصادي، عجز القادة اللبنانيون على الاتفاق على تشكيلة حكومية، إذ يتمسك فريق رئيس الجمهورية
المتحالف مع حزب الله (التيار الوطني الحر برئاسة جبران باسيل، صهر عون) بالحصول على أكثرية تضمن له حق نقض القرارات
الحكومية، يسمى الثلث المعطل، بينما يصرّ الحريري وأطراف أخرى على أن تكون حقائب معينة من نصيب فريقهم السياسي.
وغالبا ما يستغرق تشكيل الحكومات في لبنان أشهراً طويلة جراء الانقسامات السياسية الحادة والخلاف على الحصص.
لكن الانهيار الاقتصادي الحالي الذي فاقمه انفجار المرفأ في آب/أغسطس وإجراءات مواجهة فيروس كورونا، عوامل لا تسمح
بالمماطلة، وهو ما يؤكد عليه المجتمع الدولي موجهاً أقسى الانتقادات للمسؤولين اللبنانيين.
أزمة مستعصية
وكتبت صحيفة “الأخبار” المحلية الإثنين “يعود الرئيس سعد الحريري إلى قصر بعبدا مجدداً، من دون أي آمال بإمكان إحداث خرق في جدار الأزمة الحكومية المستمرة. لا تزال الأمور على حالها… حتى الآن لا تظهر أي بوادر لحل الأزمة المستعصية”. استقالت حكومة حسان دياب اثر انفجار المرفأ. وبعد طول انتظار، كلف عون في تشرين الأول/اكتوبر 2020 الحريري تشكيل حكومة جديدة.
وكان الحريري أعلن استقالة آخر حكوماته في تشرين الأول/اكتوبر 2019 على وقع احتجاجات شعبية غير مسبوقة ضد الطبقة السياسية الحاكمة كاملة. لكن هذه الطبقة السياسية، لا تزال بكامل مكوناتها اليوم، تتصارع في ما بينها. والنتيجة أن لا حكومة حتى الآن قادرة على القيام بإصلاحات ضرورية يضعها المجتمع الدولي شرطاً لحصول البلاد على دعم مالي يساعدها على الخروج من دوامة الانهيار الاقتصادي.
وخلال الأشهر الماضية، تبادل الحريري وعون الاتهامات بالعرقلة وبوضع شروط مضادة. وشهد الأسبوع الماضي تصعيداً كلامياً
بينهما. وخيّر عون مساء الأربعاء الحريري بين تشكيل حكومة بشكل “فوري” أو التنحي. وردّ الحريري مبدياً استعداده لعرض
تشكيلة حكومية جديدة، لكنه طالب عون في حال عجزه عن التوقيع عليها بإفساح المجال أمام انتخابات رئاسية مبكرة.
وبعد تبادل الاتهامات، زار الحريري الخميس عون، واتفقا على لقاء آخر الإثنين. وإثر لقاء الخميس، جدد الحريري تمسكه بتشكيل
حكومة اختصاصيين من 18 وزيراً، وهو ما يرفضه عون أساساً. وبرغم إعلان الموافقة على حكومة اختصاصيين إذا تمكن الحريري
من تشكيلها، دعا الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله الجمعة إلى “إعادة النظر” بصيغتها وتشكيل حكومة “تكنوسياسية” لكي “لا نشكل حكومة تسقط بعد أسبوعين أو شهرين في الشارع”. وحذّر من أن “حكومة الاختصاصيين إذا لم تحمها القوى السياسية لن تتمكن من حماية البلد”.
التحرك “بشكل عاجل”
على وقع الجمود، اعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأسبوع الماضي أنه من الضروري “تغيير المقاربة” في لبنان متهما المسؤولين اللبنانيين بالفشل في تحمّل مسؤولياتهم. وشدّد مصدر دبلوماسي فرنسي على وجوب “زيادة الضغط إلى حد كبير على القادة السياسيين” منبهاً إلى أنّ “مسألة العقوبات لم تكن أولوية في آب/أغسطس وأيلول/سبتمبر لكن بعد ستة أو سبعة أشهر باتت مشروعة”.
وخلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي الخميس، شددت القائمة بأعمال المنسق الخاص في لبنان نجاة رشدي “على ضرورة أن
تتحرك السلطات اللبنانية بشكل عاجل لوقف الأزمة المتفاقمة”. واعتبر أعضاء مجلس الأمن أن “على القوى السياسية أن تسهل
فوراً تشكيل حكومة قادرة على القيام بالإصلاحات الضرورية لوضع لبنان على طريق التعافي”
وتجددت مطلع الشهر الحالي الاحتجاجات الشعبية في لبنان على وقع تدهور قياسي في قيمة الليرة، إذ لامس سعر صرف
الدولار الثلاثاء عتبة 15 ألف ليرة في السوق السوداء، قبل أن يتراجع تدريجاً الى حدود 11 ألفاً. ودفع التغير السريع في سعر
الصرف خلال الأيام الأخيرة عدداً من المحال التجارية الكبرى إلى إقفال أبوابها لإعادة تسعير سلعها. كذلك توقفت مصانع عن
الإنتاج في انتظار استقرار سعر الصرف. وشهدت متاجر صدامات بين المواطنين على شراء سلع مدعومة.