لماذا تسعى إسرائيل لوقف الحرب في لبنان وتأجيجها في غزة من جديد؟
الناصرة- “القدس العربي”: تنقل مصادر إعلامية إسرائيلية عن المبعوث الأمريكي للبنان، عاموس هوكشتاين، قوله مجدّداً إنه متفائل بإمكانية وقف الحرب فيه، وإنه ينتظر ردّ الجانب اللبناني، قبل أن يقرّر إذا ما كان سيزور المنطقة يوم الأربعاء القريب.
رغم التقارير المتفائلة في الولايات المتحدة وفي إسرائيل، تبدو احتمالات وقف الحرب مع “حزب الله” قريباً غير واقعية، نتيجة طمع حكومة الاحتلال بفرض اتفاقية استسلام من خلال اتفاق يشمل حق التحرّك العسكري الإسرائيلي في لبنان، ما يعني موافقته على مصادرة سيادته.
إيهود براك: دخل جيشنا جباليا للمرة الرابعة، وحتى لو قمنا باحتلالها للمرة الثامنة، لن يفضي الضغط العسكري لصفقة مخطوفين، رغم أن “حماس” تنزف
“حزب الله”، التنظيم الجهادي المنطلق من عقيدة راسخة، ويعمل بالرضا والتسليم مهما عظمت الخسائر والتضحيات، لن يقبل بشروط إسرائيل المذلّة (قبول انتهاك إسرائيل سيادة لبنان، ونزع سلاح “حزب الله”)، حتى وإن ضاعفت استهداف بيروت، وشرعت في تدمير الصفّ الثاني من القرى في الجنوب اللبناني، واستنساخ مشاهد غزة فيه.
لأي مدى صحيح أن إسرائيل ترغب بوقف الحرب في لبنان، ولماذا الآن؟
في لبنان، وبعد القصف الوحشي لكل المناطق فيه تقريباً، لم يبقَ لإسرائيل الكثير في “بنك الأهداف”، واستمرار الحرب على الجبهة اللبنانية مُكلف، كما تدلّل أعداد القتلى والمصابين في صفوف جيش الاحتلال، الذي يصطدم بمقاومة شرسة في حملته البرية في جنوب لبنان.
إسرائيل تمارس ضغوطاً على دول مجموعة العشرين قبل قمة ريو دي جانيرو
في ظل نهوض “حزب الله” من صدماته، ونجاحه بتصعيد النار في المواجهة البرية، واستهداف العمق الإسرائيلي، تخشى إسرائيل أن تلدغ ثالثة، ومن حسابات الميدان التورّط في حرب استنزاف موجعة، وهذا محفور عميقاً في وعي وذاكرة الإسرائيليين بحكم حربي لبنان الأولى والثانية.
ولذلك، تسعى لإنهاء الحرب، وفرض شروطها بالمفاوضات تحت النار، وبالنار، لا سيّما أن الشتاء دخل على الخط، وسيثقل عملياتياً على جيشها وعملياته.
وتزامناً مع تصعيد القصف الوحشي في الضاحية وغيرها، يصعد قائد جيش الاحتلال، هرتسي هليفي، من تهديداته بالمزيد من الضربات، بتصريحاته من جنوب لبنان أمس: “نواصل ضرب “حزب الله”، الذي يسدّد أثماناً باهظة، وسنقصف في العمق، ونتوقف فقط عندما نشهد إرجاع النازحين لبيوتهم في الجليل”.
الضغط على جيش الاحتياط
في إسرائيل، أيضاً هناك من يشكّك بالتقارير المتفائلة، وهناك من يرى أن رغبة إسرائيل بوقف الحرب على الجبهة اللبنانية الآن تنمّ عن ثقل الأعباء على جيش الاحتياط، الذي يشارك في أطول حروب إسرائيل منذ قيامها، غداة نكبة 1948، رغم أن سلاح الجو في الأساس هو الذي يقوم بالفعل التدميري. ومن المتوقع أن يصعّد الاحتلال من استهداف أبراج في العاصمة اللبنانية.
يعتقد المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل أن وقف الحرب في لبنان الآن يحرّر قوى احتياط يحتاجها نتنياهو في الحرب على غزة بدون صفقة، ويخفّف قليلاً أعباء الجيش، الذي يشكو من نقص في المتجندين، فيما يتذمّر جنود الاحتياط من طول مدة خدمتهم العسكرية وهجرانهم لبيوتهم وأعمالهم وعائلاتهم.
وتتفاقم حالة التذمّر والشكوى لدى جنود الاحتياط وفي الشارع الإسرائيلي، في ظل مواصلة رفض اليهود الحريديم الانخراط في الخدمة العسكرية في ذروة الحرب. ومع ذلك، يشكّك هارئيل باحتمالية وقف الحرب قبل دخول الرئيس الأمريكي، ترامب، البيت الأبيض، بعد نحو شهرين، مرجّحاً أن حسابات نتنياهو ستصطدم باعتبارات ترامب، المعني بوقف الحروب، كما قال في خطاب النصر، ويحلم بتطبيع بين إسرائيل والسعودية يغيّر وجه الشرق الأوسط.
بين لبنان وغزة
رغم الاحتمالات القليلة بوقف الحرب مع “حزب الله”، وعلى لبنان الآن، يُطرح السؤال: لماذا ترغب إسرائيل بالتهدئة في الجبهة اللبنانية مقابل التصعيد على الجبهة الفلسطينية؟
السبب المعلن من قبل مؤيدي هذه المعادلة المتعاكسة في إسرائيل هو أن هناك دولة في لبنان يمكن ممارسة الضغط عليها والتوصل لاتفاق معها، علاوة على أن القضاء على “حزب الله” ليس من أهداف الحرب، بعكس الحرب على غزة؛ إسقاط حكم “حماس” في القطاع، وتدمير قوتها العسكرية، ومنع تهديدها لإسرائيل.
بيد أن الدوافع الحقيقية خلف ذلك مختلفة تماماً، وترتبط بالحسابات السياسية الفئوية لدى حكومة الاحتلال ورئيسها، بنيامين نتنياهو.
حكومة الاحتلال لا تريد وقف الحرب، ولذا ترفض صفقة مع “حماس” استبعاداً للحساب الداخلي، وخوفاً من لجنة تحقيق رسمية تهدّد نتنياهو وزمرته بالسقوط من سدة الحكم والتاريخ. فالإسرائيليون، ورغم اغتيال قيادات “حماس” و”حزب الله”، وغيرها من المكاسب الإسرائيلية، لن يغفروا، ولن يصفحوا لهم عن الفشل الإستراتيجي المتمثّل بـ”طوفان الأقصى”، وفق ما تعكسه استطلاعات الرأي بشكل مثابر.
الحسناء كارولين ليفيت.. أصغر متحدثة للبيت الأبيض
نتنياهو يفضّل البقاء في الحكم مع استمرار النزيف والتضحية بالرهائن، في ظل تهديدات شركاء متشدّدين بتفكيك الائتلاف الحاكم إذا ما استمرت الحرب حتى “النصر المطلق” ومحو “حماس” عن الوجود، كما قال سموتريتش قبل يومين.
تسعى إسرائيل لإنهاء الحرب وفرض شروطها بالمفاوضات تحت النار، وبالنار، لا سيّما أن الشتاء دخل على الخط، وسيثقل عملياتياً على جيشها
من جهة أخرى، فإن هذا الائتلاف، بمن فيه نتنياهو، يطمع باحتلال القطاع، على أمل أن يمحو ذلك عار السابع من أكتوبر، والأهم إحياء الاستيطان فيه، خاصة الآن بعد انتخاب ترامب، والكشف عن تعيينه مسؤولين مؤيدين للضمّ وللدولة اليهودية من البحر للنهر.
“هل انتصرنا على “حزب الله” في لبنان؟”
هكذا سُئل رئيس حكومة الاحتلال الأسبق إيهود براك من قبل الإذاعة العبرية العامة، صباح اليوم الأحد، فقال إنه تم تحقيق مكاسب كبيرة في الشهور الثلاثة الأخيرة في الضاحية وفي الجنوب، لكن إسرائيل لم ولن تتمكّن من الانتصار على حزب الله، منوّهاً أن هذا ليس من أهداف الحرب.
كذلك، وبخلاف المؤسسة الحاكمة بشقّيها السياسي والعسكري، يؤكد براك أن طلب إسرائيل باتفاق يكفل حرية حركتها العسكرية في لبنان لن يتحقق.
وتابع: “لا يوجد أي احتمال بتوقيع أحد في لبنان على ذلك. هذا لا يعني أن لا نتحرك الآن وغداً، خاصة أن هناك مذكرة ضمانات من واشنطن تتفهّم حق إسرائيل بالتدخل العسكري عند كل انتهاك، وهذا ما سيبقى لدى إدارة ترامب أيضاً. التسوية جيدة مع لبنان، ولكن الأهم صفقة مع “حماس”، والتي يتم تعطيلها”.
واستخف براك بمزاعم الضغط العسكري تبريراً لاستمرار الحرب على غزة وصولاً للاتفاق المطلوب بالقول: “دخل جيشنا جباليا للمرة الرابعة، وحتى لو قمنا باحتلالها للمرة الثامنة، لن يفضي الضغط العسكري لصفقة مخطوفين. رغم أن “حماس” تنزف، لم نبادر بعد لصفقة معها، والدوافع سياسية لدى نتنياهو وثلته”.
من جهته، دعا المؤرخ الإسرائيلي من أصل روسي، ديمتري شومسكي، المعارض للحرب، الإسرائيليين لتوقيع صفقة مع نتنياهو قبل توقيعها مع “حماس”، بموجبها يتم تخليصه وتخليصهم من لوائح الاتهام الموجهة ضده ومنحه مخرجاً كريماً، وعندئذ ستنتهي الحرب.