لمى أبو النجا تكتب .. من المثيولوجيا السعودية (النمنم)

119

 

عبارة عن مخلوق أسطوري من
المثيولوجيا السعودية..
تختلف صفاته و دوره حسب كل عائلة..
لكن المهمة الأساسية لخروج هذا المخلوق مساءً هو “تخويف الأطفال” ..
طبعاً هذا يعكس مدى الإضطرابات النفسية التي عانى منها جيل الثمانينات وماقبل جراء هذا التعنيف..

بعد إستفتاء بسيط وضعته كذا مرة وجدت بعض المفارقات فأغلب النمانم يروج لهم بالكثير من العنصرية حول أنهم أفارقة بالإضافة إلى بعض الصفات الغير واقعية أبداً
و خروجهم بالييل فقط وأغلبهم يتشابهون بالزي الخليجي النسائي المرعب “عباءة على الرأس”..

ولكني أرى أن نمنمي الذي اخترعته جدتي رحمها الله هو الأشد ضراوة والأقوى تأثيراً على الإطلاق والسبب أنه يخلو من العناصر السابق ذكرها ، فليس لدى نمنمي أي صفات شكلية عنصرية بحيث يمكن حصره على فئة معينة أحذرها وكذلك صفاته الواقعية أكثر من الخيالية مما يجعله أكثر فتكاً بالمخيله..

وأنا طفلة كنت شديدة الإرتباط بجدتي ،حكاياتها تمثل كتاب مقدس لي لايحمل الكذب أو الخداع ، وقد ذكرت كثيراً تأثري بالتفاصيل الغير ملاحظة من الأغلبية الذي كان وما زال أحد مميزاتي وكذلك لعناتي..
أعتقد أن جدتي لم تتمتع بمخيلة كبيرة لتخترع كائنات أو قصص أسطورية فقد كانت كل قصصها منطقية مما يكسبها مزيداً من التأثير الذي مازلت ولأكثر من ٢٤ عاماً أذكره..

كان الإنتاج العائلي لذلك المخلوق أنه عبارة عن شخص عادي ببشرة عادية بيضاء أو سمراء الملامح محددة شكلياً له ولكن مايجعل هذا الشخص نمنم هو أنه وبعد الساعة الثامنة مساءً يخرج له ذيل ديناصور وأظافر غوريلا مع الإبقاء على شكله كإنسان فيما عدا ذلك..
كان ينتشر في الباحة المقابلة للسوق حيث تسكن جدتي وينتظرني وبنات خالي عند محلات أبو ريالين..
قد يتحول أي شخص في محيطي القريب إلى نمنم بعد الساعة الثامنة مساءً بغض النظر عن أخلاقه أو علاقتي به
فمثلاً النمنم قد يكون بائع الأقمشة في المحل الملاصق لبيت جدتي أو بائع الحلوى أو حتى البائع في محلات أبو ريالين بنفسه !!
كنت أنام يوميا قبل الساعة ٨ مساءً حتى أتخلص من النمنم وقصصه “من أكل اليوم من أطفال الجيران في الأحياء البعيدة التي لا أعلم عنها شيئاً ، ولا من أفلت منه..الخ”

اذكر في أحد المرات أصرت إبنة خالي على النزول لمحل أبو ريالين لشراء “لعبة شنطة الدكتور”
كنت أصرخ في الدرج بشكل هستيري محاولة منعها من الذهاب لأن هذا الوقت يبدأ حظر التجول وأن سبب نزولها ليس ضرورياً لكنها لم تستمع إلي وذهبت ثم عادت بعد نصف ساعة بسلامة!
أخبرت جدتي كيف لم يأكلها النمنم!؟
فأجابت وبسرعة بديهه : لأن الخادمة كانت معها ربي ستر عليها ماشافها النمنم
فقلت: اذا استطيع النزول ومعي أي شخص كبير ؟
قالت : لا انا فقط أحميكي من النمنم..

وفي يوم ما..
اضطرت جدتي للتسوق بصحبتي بعد الساعة الثامنة لأحمل معها الأكياس ولكي أعكزها إن تعبت
كنت أتلفت حولي محاولة إيجاد أي نمنم يتربصني ممسكة بيد جدتي بكل قوتي لأخفف على نفسي هول الموقف ..

كان النمنم بمثابة الكرت الأخير في محاولة السيطرة على مشاغبتي وفرط حركتي وخططي الشريرة طوال النهار
وكادت إبنة خالي أن تكسر الوهم إلا أن جدتي أعادت ترسيخه وهم المخلوق الغدار
ووهم أنها فقط من كان يحميني منه دون غيرها..

كان أول وهم أحزن لإنكساره ولصحوتي على واقع عدم عودته مطلقاً بغياب جدتي..
أدركت أن بعض الأوهام أجمل من أن تكسر..

أفلتت جدتي شدة قبضتها من يدي ولكنها أبقتها في قلبي للأبد

أحبك أينما كنتِ

من الجدير بالذكر اننا اعتدنا على تخويف الأطفال بهدف حمايتهم من الأخطار وتشكيل حاجز دفاعي لديهم بالإبتعاد عن الخروج وحدهم مثلاً حتى في غيابنا
فنجد أن في كل ثقافة احد المخلوقات الأسطورية هذه
هذا التصرف يساهم وبشكل كبير من مخاوف سوف تتحول الى اضطرابات نفسية عند الاطفال عندما يكبرون منها الخوف من المجهول وعدم القدرة على الثبات الإنفعالي والتصرف الصحيح في المواقف الحرجة