لمى أبو النجا تكتب : هوس الجمال و إحتقار المرأة

8

السعي المفرط نحو المثالية والكمال كان مرضاً متخفياً في هيئة “الطموح” و قد كان معاناتي لفترة ليست بالقصيرة، قضيت أعوامًا ألهث خلف صورةٍ لا وجود لها، إلى أن فقدت القدرة على رؤية النعم التي امتلكتها أصلًا.
كنت أؤمن دائمًا أن هناك “أكثر” في مكانٍ آخر:

أكثر نجاحًا، أكثر سعادة، أكثر جمالًا، أكثر حياة.

عشت أجمل سنوات عمري في جحيمٍ يزداد اشتعالًا كلّما حققت إنجازًا، كانت جهنم داخلي تصرخ بي في كل مرة:
“هل من مزيد؟

غير مدركة في ذلك العمر المبكر لحقيقة أن جميع ماكان حولي يدفعني كأنثى إلى ذلك الإزدراء و أن الشعور بالأقلية والنقص أمام معايير الجمال و معايير النجاح عبارة عن مؤامرة ناعمة الملمس ،ممنهجه أوجدتها قوى خفية شديدة المكر والخبث لتسليع الجمال و إعطاؤه أكبر من قيمته الفعلية لضخ الأرباح لشركات التجميل و إنعاش الإقتصاد بطرق ملتوية، لقد حوّلوا الجمال إلى سلعةٍ تُشترى وتُباع، وأوهمونا أن قيمتنا تُقاس بدرجة لمعان بشرتنا، لا بعمق أرواحنا.

معايير الجمال لكل عصر لها بعد تاريخي غرائزي يعود لفجر التاريخ، حينما أدرك الرجل أن لجسد المرأة أغراض أخرى غير الوظائف الرئيسية التي خلقت فطرياً لأجلها، من التكاثر والإنجاب و بواعث أخرى للمتعة، ثم بدأت تلك الحاجة تكبر بالتدريج حتى وصلت إلى مانشهده اليوم من هوس و إضطراب جماعي.

تقول الكاتبة والناشطة في حقوق المرأة فترة التسعينات “نعومي وولف” في كتاب خرافة الجمال “The Beauty Myth”:

“كلما ازداد تمكّن المرأة اقتصاديًا واجتماعيًا، زاد الضغط عليها لتلتزم بمعايير غير واقعية من الجمال البدني.

وتشرح كيف تستخدم معايير الجمال ضد المرأة، ومع تصاعد القوة الإقتصادية و الإجتماعية للمرأة زاد الضغط عليها لتلتزم بمعايير غير واقعية للجمال البدني.

*نشأة نموذج الجمال الحالي كأداة للسيطرة على المرأة:*

قبل الثورة الصناعية، كانت القيمة الاجتماعية للمرأة تقاس على أساس ما تؤديه من أعمال في الإطار المنزلي. وتشكلت حياة المرأة آنذاك حول عدد من السمات مثل القدرة على العمل، والقوة البدنية، ودرجة الخصوبة، وليس الجمال البدني.

لكن مع حركة التصنيع، تزايدت مستويات الحرية والحقوق التي حصلت عليها، و اضطر النظام الرأسمالي للبحث عن أسلوب أدق وأكثر خداعًا يُطيح بما اكتسبته المرأة من حريات ويخفّض من نطاق قوتها.

وتفتّق ذهن هذا النظام الأبوي عن نموذج للجمال غير واقعي، أسمته المؤلفة “خرافة الجمال”، والتي تحتفظ بالمرأة سجينة بين أسوارها، وفي حالة تنافسٍ مدمّر مع نفسها، ومع الأخريات من النساء.

ونظرًا لأن مواصفات هذا النموذج تتغير وتتباين من فترة لأخرى، فإنّ هوية المرأة المنصاعة لهذه الخرافة تظلّ في حالة من الهشاشة والضعف، وفي حاجة دائمة لتعزيزٍ وتأييد من الخارج بدلاً من استخلاصه من رضاها عن ذاتها.

وتدعي هذه الخرافة أنّ هناك موصفات لا يمكن تحديدها بدقة تسمى “الجمال النسائي”، والتي يجب على المرأة أن تبذل قصارى جهودها للتحلي بها، ومتابعة تطوراتها وصرعاتها والحفاظ عليها. وعزز من هذه الخرافة بعض وجهات النظر التي ترى أن الجمال صفة بدونها تصبح المرأة دون قيمة. وكم رأينا من نساء يحتللن قمة تخصصاتهنّ المهنية يتعرّضنَ لضغوط شديدة لتبدين في صورة جميلة طبقًا لهذه المعايير غير الواقعية”.

الكاتبة سلطت الضوء على ثورة الجمال فترة التسعينات و ماقبلها فكيف بما يحدث الآن من الضغط الإعلامي و الإعلاني و منصات التواصل الإجتماعي بترسيخ مفهوم الجمال البدني كقيمة أساسية ووحيدة للمرأة التي تتحكم بمستقبلها بشكل كامل.

نعم أصبح الجمال غاية وتحقيق للنجاح المالي و الوظيفي، لنأخذ على سبيل المثال مسابقات ملكات الجمال ، ما ان تحصل إحداهن على اللقب حتى تنهال عليها العروض العالمية من شركات التجميل و الأزياء و الإنتاج السينمائي للحصول على أدوار رئيسية في المسلسلات والأفلام حتى إن لم تملك أدنى مقومات الفن او الذكاء والإبداع يكفي فقط أن تكون جميله لتحصل على كل ماسعت إليه أي انثى أخرى وعملت جاهدة للحصول إليه.

والأمر ينطبق كذلك في الوظائف، وقد باتت هذه القناعة بحد ذاتها سلاح تستخدمه المرأة في الحصول على الترقيات والمزايا الوظيفية التي تعلم أنها ليست كفؤ لها.

قبل عدة أيام وقعت عيني على مقطع فيديو على إحدى منصات التواصل الإجتماعي بإستخدام فلتر للوجه صمم بناءً على وجه فنانه مشهورة والتشوه الذي عانت منه جراء عمليات التجميل، صدمت من شراسة التنمر واللإنسانية وغياب الوازع الأخلاقي خلف الأسماء المستعارة للإستهزاء بهذه الأنثى والتحجيم الكامل لفنها وانجازاتها الجميلة حتى بالرغم من تصريحاتها بالأزمه النفسية التي مرت بها من تلك التعليقات لم تجد من يرحمها، اختزلت إنسانيتها بشكل كامل في وجهها.

فهناك حسابات تديرها للأسف إناث يعززن عبودية الجمال التي ورثنها، وهذا الإستعراض النرجسي التافه ضد بعضهن ،والتنمر على كل من ظهرت لها تجعيده تحت عينها او حبه في وجهها، او شعرة بيضاء واحدة في رأسها، والتبجح على الآخرين بالفوقية وفرض معايير الجمال والأناقه و أسلوب الحياة الباذخ.

وبالمقابل التقديس المفرط لمن يملكن هذه المواصفات بدل من تعزيز ثقة المرأة بنفسها وتذكيرها بقيمتها الذاتية بعيداً عن الهوس التافهه.

أنا أتحدث هنا بمنتهى الصدق والشفافية، لا بدافع الوعظ، بل بدافع الخلاص.

فقد أنقذت نفسي أخيرًا حين أدركت أن الجمال الذي يستحق الاحترام هو السكينة، وأنّ النجاح الحقيقي هو أن تعيش بسلام مع ذاتك، دون خوف من مقارنات الآخرين.

بعد سنوات من القراءة والتأمل والتحليل، وضعت معاييري الخاصة للجمال والنجاح والقوة:
معايير لا تصنعها الشركات ولا تفرضها الموضة.

أن تكوني حقيقية، أن تكوني أنتِ، أن تعرفي متى تتوقفين عن الركض،

ذلك هو الجمال.

افعلي ما تشائين يا عزيزتي، فكلّ ما فيكِ جميل — كما هو، كما أنتِ.

لمى ابوالنجا/كاتبة و أديبة من السعودية

مراجع:

The Beauty Myth، Naomi Wolf “an American feminist author”