لمياء ابن احساين تكتب : أسد القيامة هل هي معركة استباقية أم حسابات خاطئة
بينما كانت الأنظارمشدودة إلى صراع غزة وحدود جنوب لبنان، فجرت إسرائيل مفاجأتها التي كانت ترجئها منذ شهر أبريل الماضي ،إذ شنت فجر الثالث عشر من يونيو ضربة جوية أسمتها الصحف العبرية ” ضربة القيامة “وصفت بأنها الأوسع ضد أهداف إيرانية منذ عقود، العملية التي استهدفت منشأت نووية ومراكز قيادة حساسة في عمق الأراضي الإيرانية لم تكن مجرد رد عسكري بل إعلان واضح بأن تل أبيب قررت نقل معركتها مع طهران من الظل إلى العلن.
هذه الضربة التي كانت استباقية لم تكن مجرد ردع ظرفي بل تعبير عن تحول في العقيدة الأمنية لتل أبيب التي لم تكتفي بالاستخبارت والحرب السيبيرانية ،بل لجأت لأول مرة إلى عمل عسكري واسع في قلب إيران فاستخدام ذلك الحجم من الطائرات والدخائر الذكية وقتل طبقة صناع القرارمن القادة العسكريين والعلماء النوويين يعكس نية لإحداث صدمة استراتيجية واختبار قدرة إيران على الرد رغم أن هذه الأخيرة أطلقت بشكل محدود عشرات الصواريخ على مدن إسرائيلية أبرزها تل أبيب وحيفا، مما يكشف عن إدراكها لحساسية التصعيد خاصة في ظل الموقف الأمريكي.
استهداف إسرائيل لحقل بوشهر للغاز وناتانزوأصفهان وفوردو بالإضافة إلى منشأت إعادة تكوين اليورانيوم ومحطات بحوث نووية بواسطة صواريخ سبايس ودليلة إشارة منها على أنها قادرة على استهداف مثل هذه الأهداف خصوصا وأن هذه العملية تشارك فيها الموساد من قلب إيران الشيءالذي يبين حجم الاختراق الأمني الإسرائيلي فيها.فالبعد السياسي للضربة يعكس محاولة واضحة من رئيس الوزراءالإسرائيلي نتانياهو لاستعادة زمام المباردة داخليا في ظل ضغط الشارع وانقسام الحكومة، وخارجيا هي رسالة مزدوجة إلى طهران وواشنطن ،الأولى بأن إسرائيل لن تنتظر قرارا دوليا لمواجهة المشروع النووي والثانية بأن زمن الاعتماد الحصري على الضغط الديبلوماسي قد انتهى وبذلك يكون نتانياهو قد أعاد ضبط قواعد الردع الإقليمية في لحظة دقيقة من توازنات الشرق الأوسط وغير قواعد الاشتباك بالضربة التي أسماها أسد القيامة، رغم الأضرار التي تعرضت لها المباني ولأول مرة داخل الأراضي الإسرائيلية.
الضربة تظهرأن المنطقة تتجه نحو مرحلة أكثر تعقيدا من المواجهة غيرالمعلنة حيث تتقاطع الحسابات الأمنية مع رهانات السياسة الدولية، فلم تعد إسرائيل تنتظر موافقة الحلفاء ولا إيران تخفي نوايها بالتمدد وبين هذا وذاك تقف المنطقة على حافة صراع قد يشعل أكثر من جبهة في وقت واحد إن لم تنجح القنوات الديبلومسية في فرملة هذا الانزلاق
فإن الشرق الأوسط مقبل على موجة عنف جديدة تعبد الطريق لرسم خرائط الردع والتحالفات وقد تدفع الشعوب مجددا ثمن المعادلات الكبرى. خصوصا في سوريا والعراق حيث ستدفع إيران لتعزيز وجودها العسكري هناك كخطة دفاع ما يزيد من التوترات بين الميليشيات والقوات العراقية الرسمية مما يعرض العراق لمخاطرتصعيد غير مباشر، كما أن تكرار الضربات التي أصبحت على شكل كرة تنس الطاولة يمكن أن يسرع من تدهور الوضع العسكري داخل سوريا بالأخص في المناطق التي تتمركز فيها قوات الحرس الثوري الإيراني وهذا سيدفع بروسيا للضغط على إبران لتقليل نفوذها العسكري في البلاد الشيء الذي سترفضه وتخلق فوضى أكثر في سوريا حيث التواجد الأمريكي في الشمال والجنوب الشرقي؛ أمريكا التي أعطت الضوء الأخضر للضربة لن تبقى في المنطقة الرمادية وستدخل لتقوية الجانب الإسرائيلي وإجبار إيران على المفاوضات من منطلق الضعف والتقييد.
إسرائيل لم تسمي الضربة أسد القيامة فقط لردع إيران وإضعافها بل له رمزية دينية وسياسية فمن الناحية السياسية فالأسد يرمز إلى القوة والغلبة ،والقيامة في المخيال الديني تحيل إلى لحظة فاصلة لنهاية ماسبق وبداية للوجود الأبدي التي تهدده إيران بواسطة أذرعها في لبنان والعراق واليمن.
الأيام القليلة القادمة ستكشف شيفرات هذه الضربة هل هي استباق للأزمة أم بداية انزلاق في متاهة الحرب الإقليمية الكبرى.
