لمياء ابن احساين تكتب : إغلاق معبري سبتة ومليلية قرار سيادي أم ورقة ضغط
في خطوة مفاجئة وغير مرفوقة بأي توضيح رسمي قرر المغرب إغلاق معبري سبتة ومليلية وتعليق نشاط الجمارك التجارية بعد شهور من إعادة فتحهما بشكل جزئي في إطار عودة تدريجية للعلاقات مع مدريد، هذا الإغلاق يعيد فتح النقاش حول طبيعة القرارهل هو تعبير سيادي خالص ضمن حق المغرب في ضبط حدوده وإعادة تقييم علاقاته التجارية أم ورقة ضغط ديبلوماسية في وجه استفزاز سياسي من طرف الحزب الإسباني الشعبي الذي يسيطرعلى المدينتنين المحتلتين و الذي استضاف ممثلا عن البوليساريو الشيء الذي يشكل اختراقا سلبيا للتقارب الذي بدأ منذ إعلان مدريد دعمها لمبادرة الحكم الذاتي.
القرارجاء في لحظة دقيقة تعكس تشابكا بين المحلي والرمزي بين الاقتصاد والسياسة، الخطوة المغربية تندرج ضمن مقاربة استراتيجية تتجاوز ردود الأفعال الانفعالية نحو رسم حدود جديدة للتعامل مع ملف الصحراء المغربية داخل الساحة الأوروبية قائمة على منطق لا شراكة دون احترام تام للوحدة الترابية للمغرب، إنها رسالة مزدوجة إلى مدريد وأحزابها مفادها أن المغرب يراقب ويملك أوراق ضغط ميدانية وأن سبتة ومليلية ليستا فقط نقطتي عبور بل رمز للسيادة والموقف السياسي، وأنه لن يبقى متفرجا أمام كل استغلال لملف الصحراء وازدواجية المواقف داخل المشهد الحزبي الإسباني حيث تستمر بعض الأحزاب وعلى رأسها الحزب الشعبي في توظيف ملف الصحراء كورقة ضغط داخلية دون اعتبار لحساسية العلاقة مع الرباط ، هذا السلوك يضعف موقف الدولة الإسبانية كطرف موثوق ؛فبينما تتبنى الحكومة المركزية موقفا إبجابيا يسعى خصومها السياسيون في المعارضة إلى تقويض هذا التوجه ولوعلى حساب المصالح الاستراتيجية لإسبانيا مما يضعها في مأزق المواقف المزدوجة، وخلال هذا السياق أشهر المغرب بعض أوراقه التي فهم منها أن المدينتين ليستا منعزلتين عن لعبة الردود وأن الرباط انتقلت من سيادة الحدود إلى سيادة المواقف وأن أي تجاوزللخطوط الحمراء التي سطرتها لإسبانيا سيخل بالتوازنات الجيوسياسية التي تجمع الرباط ومدريد من حبث التعاون الأمني والاقتصادي والديبلوماسي وأنه أي تراجع أو مساومة إسبانية في الاعتراف بمغربية الصحراء سيكون له ثمنه وبشكل أكبر على المدينتين المحتلتين لأنهما يعتمدان بشكل شبه كامل على الحركة التجارية القادمة من المغرب، مما جعل الأوساط السياسية في إسيانيا لا سيما في سبتة ومليلية تلتقط الرسالة التي شكلت إرباكا وتوترا عبروا فيه على أن مثل هذه المواقف لا تبشر بالخيرلا سيما بعد تصريحات رئيس هيئة الأركان المشتركة ((JEMAD الأدمرال تيودور لوبيز كالديرون حول مخاوفه من تحركات المغرب وقيامه بإنشاء فريق عمل داخل هيئة الأركان لتقييم المخاطر التي قد يطرحها المغرب لإسبانيا سواء من الجانب الإقليمي أوالدولي.
في ضوء ماسبق يبدو أن إغلاق المعبرين ليس إجراءً تقنيا ظرفيا بل هو فعل سياسي محسوب يترجم تصورا جديدا لدى المغرب في إدارة علاقاته مع الجوار الأوروبي فالمغرب اليوم لا يساوم على سيادته ولا يسمح بتحويل ملف صحرائه إلى ورقة انتخابية في أيدي الداخل الإسباني، واستعمال ورقة المعابر يشكل تذكيرا صامتا لكنه فعال بأن كل القضايا مترابطة أمنيا واقتصاديا وأنه نقل أدواته الميدانية للرد السياسي.
المغرب لم يغلق المعبرين فقط بل فتح باب الرسائل السياسية عنوانها السيادة والندية وأنه يتحرك بوعي استراتيجي يقرأ من خلاله تحركات الداخل الإسباني كما يقرأ موازين التغيرات العالمية وهي معادلة معقدة زاد عمقها بين القرارات المغربية والمخاوف الإسبانية .
