لمياء ابن احساين تكتب : اعتراف لندن بدولة فلسطين تصحيح متأخر لوعد بلفور
في خضم التحولات الدولية المتسارعة عاد اسم بريطانيا إلى واجهة المشهد الفلسطيني، ليس بوصفها القوة الاستعمارية التي وعدت بمن لايملك لمن لا يستحق، بل كدولة تسعى ولو متأخرة إلى تصحيح ما فعلته قبل أكثرمن قرن، خطوة تفتح الباب لتساؤلات كثيرة ،لماذا في هذا التوقيت وماهي الدوافع السياسية والاستراتيجية الكامنة خلف هذا القرار وما انعكاسه على الداخل البريطاني وعلى الساحة الدولية،خاصة في ظل الحرب المستمرة على غزة وتراجع شعبية حكومة لندن.
لطالما ارتبط اسم بريطانيا بالقضية الفلسطينية ارتباطا مؤلما بدأ من وعد وزير خارجيتها بلفورعام1917مرورا بمرحلة الانتداب التي أسست لانقسام الأرض والشعب،وصولا إلى تردد لندن لعقود في اتخاذ موقف واضح من الدولة الفلسطينية
الاعتراف المنتظرفي سبتمبر إن حدث سيكون محاولة رمزية لتصحيح هذا المسار التاريخي أو على الأقل تقديم إشارة أخلاقية تجاه ما فعل بفلسطين.
لكن هذا التحول لم يكن ليحدث لولا التحولات العميقة في الرأي العام البريطاني خصوصا بعد حرب غزة منذ اكتوبر 2023 والمظاهرات التي خرجت في شوارع لندن وجامعاتها مطالبة بوقف الدعم غير المشروط لإسرائيل ودعت إلى الاعتراف بدولة فلسطين كحق قانوني وإنساني، وتزامن هذا الضغط الشعبي أيضا مع استعداد البلاد لخوض انتخابات عامة يتوقع أن تشهد تغييرا كثيرا في المشهد السياسي، فحزب العمال الذي أعلن التزامه بالاعتراف بالدولة الفلسطينية يتصدر استطلاعات الرأي ما قد يدفع بالحكومة الحالية إلى استباق المشهد وفرض نفسها على طاولة القرار الرمزي الذي تريد من خلاله رغم علاقتها الخاصة بواشنطن أن لا تخرج خالية الوفاض من مشهد يعاد تشكليه إقليميا ودوليا وهي ليست الوحيدة في هذا المسار، ففي الأشهر الأخيرة اعترفت كل من إيرلندا وإسبانيا والنرويج بدولة فلسطين مما شكل كتلة أوروبية متقدمة على الأقل أخلاقيا على حلافائها الأمريكيين، فالحسابات الأوروبية والإقليمية بالإضافة إلى العالم العربي الذي رغم انشغاله بأولوياته الداخلية فإنه بات أكثرجرأة في مطالبة حلفائه الغربيين باعترافات ملموسة لا مجرد وعود غامضة.
ستواجه بريطانيا حتما ضغوطا سياسية وديبلوماسية من إسرائيل وربما تجميد جزئي في التعاون العسكري والاستخباراتي وفي الوقت ذاته ستستثمر السلطة الفلسطينية الاعتراف لتقوية موقفها على الساحة الدولية خاصة في ظل تراجع الثقة بها داخليا، أما حركة حماس التي تحكم القطاع منذ 2007 ستجد نفسها خارج المعادلة إذا تم الاعتراف بدولة فلسطين على حدود 67 دون تمثيل فعلي لها،ما يطرح تحديات إضافية لمسار المصالحة الفلسطينية.
رغم رمزية الخطوة البريطانية يبقى الاعتراف إن تم في سبتمبرلحظة فارقة بعد عقود من الصمت وبداية فصل جديد في مسار النضال الفلسطيني وإعادة رسم التحالفات في عالم يزداد فيه الاستقطاب،وقد يشكل خطوة لإعادة الاعتبار للشرعية الدولية ولحقوق شعب حرم طويلا من أبسط أشكال الاعتراف ،ويبقى التحدي في ترجمة هذا الاعتراف إلى دعم ملموس على الأرض لا سيما في ظل الاحتلال الإسرائيلي والانقسام الفلسطيني وغياب إرادة دولية تمشي بمنطق إدارة الأزمة بدل حلها .
