لمياء ابن احساين تكتب : الإخوان المسلمون من السلطة إلى العزلة ماذا بعد الحظر هل انتهى المشروع

344

منذ مايقارب قرنا من الزمان شكلت جماعة الإخوان المسلمين علامة فارقة في الحركات الإسلامية السياسية في العالم العربي ورقما صعبا في المعادلات السياسية،من المساجد إلى صناديق الاقتراع قادرة على التكيف والاختراق والصعود المفاجئ فمن السجون إلى سدة الحكم في لحظات التحول خاضت الجماعة تجربة شديدة التعقيد والتقلب ومع موجة ما سمي مجازا بالربيع العربي بدت وكأنها على وشك أن تحصد ثمار عقود من التنظيم والعمل الدعوي،لكنها سرعان ما وجدت نفسها في دائرة الحظر والملاحقة مجددا من مصر إلى تونس ومن الأردن إلى الخليج وسط تصنيفات الإرهاب وانقسامات داخلية متزايدة وغياب واضح عن الفعل السياسي الرسمي فهل انتهى مشروع الإخوان أم أن العزلة الحالية هي مقدمة تحول جديدة في انتظار الفرصة.
الجماعة التي تأسست في مصرسنة 1928 على يد حسن البنا الساعاتي في سياق انهيار الخلافة العثمانية وصعود القوميات العلمانية،رفعت الجماعة شعار “الإسلام هو الحل” وسعت إلى بناء مجتمع إسلامي من خلال التربية والدعوة ثم العمل السياسي لاحقا وعلى مدار عقود نجحت في الانتشار من مصر إلى سوريا والأردن والمغرب وتونس والسودان مع اختلاف في التكيف مع الأنظمة المحلية.ورغم تعرضها لحملات قمع متكررة وحظر منذ العام 1954 في العهد الناصري إلا أنها عادت تدريجيا إلى المشهد السياسي عبرالعمل الدعوي والاجتماعي إبان حكم أنورالسادات ،لكن اغتياله على يد تنظيم الجهاد الإسلامي المتأثر بأفكار سيد قطب أحد أكبرمنظري الإخوان وقائده خالد الإسلامبولي العضو السابق في الجماعة جعلها تظهر في الوقت ذاته أنها تغذي خطابا مزدوجا ترك آثره في أجيال من الشباب الذين لجأ العديد منهم إلى حمل السلاح باسم الدين،وهو ماجعل الأنظمة العربية تتوجس من نوايا الجماعة وتضعها ولو ضمنا في دائرة المسؤولية الأخلاقية والفتلسياسية عن تصاعد العنف، وظلت الجماعة بين أخذ ورد في عهد مبارك إلى أن شاركت في البرلمان حتى وصلت في ظل ثورات الربيع العربي إلى الحكم عبر صناديق الاقتراع في مصر وتونس وحازت نفوذا متزايدا في المغرب والأردن،لكن السلطة جاءت مع معارضة شعبية ومؤسسية شديدة فبعد الإطاحة بمحمد مرسي في 2013 بدأت حملة واسعة ضد الجماعة ليتم تصنيفها تنظيما إرهابيا في مصر، تلتها السعودية والإمارات بينما شدد الأردن الخناق عليها إلى أن حظرها فعليا وسحب منها الشرعية القانونية وأغلق مكاتبها.
الحظر والتضييق لم يؤد لاختفاء الجماعة لكنها دخلت مرحلة الكمون التنظيمي في أغلب الدول مع تراجع الحضور الشعبي وغياب الزخم الإعلامي، ومع ذلك لا يمكن الجزم بانتهاء مشروعها فالجماعة لا طالما عاشت في الهامش وتمكنت من إعادة تشكيل نفسها بأشكال مرنة سواءعبر العمل الخيري أو المنصات الرقمية أو التنظيمات الخارجية
فتبنيها لخطاب السلمية منذ عقود يخالف واقعها الميداني فذراعها المسلح حسم الذي يتبنى عمليات ضد عناصر أمنية وقضائية في مصر والذي أنشأ كرد عنيف على أحداث فض رابعة أدخل الجماعة في تضارب بين خطاباها الإيديولوجي القديم والخطاب الحالي في الزمن الجديد .
ورغم ما ترفعه جماعة الإخوان المسلمين من شعارات دينية وشعبوية فإن مسارها السياسي والأمني يكشف عن ارتباطات خارجية واضحة،أبرزها تبعيتها لقطر وتركيا حيث وجدت في الأولى داعما إعلاميا وماليا وفي الثانية حاضنة سياسية ومنفى آمنا لقياداتها الهاربة، هذا الارتباط أفقد الجماعة استقلالية قرارها وعمق الشكوك حول مشروعها الإقليمي مما ساهم في تقويض ثقة الشعوب والحكومات بها، ودفع بالعديد من الدول تصنيفها كجماعة إرهابية .
وهكذا من مدار السلطة إلى زاوية العزلة تبدو جماعة الإخوان اليوم في مواجهة مأزق وجودي قد يكون نهاية لمشروع لطالما أثار الجدل والانقسام أو تعود للتسلل من جديد سواء عبر رجال أعمال يدينون لها بالولاء أومن خلال واجهات سياسية وبرلمانية جديدة تسعى لتلميع صورتها في ضوء متغيرات إقليمية ودولية تدفع لتقليص إن لم يكن إنهاء نفوذ الإسلام السياسي في مؤسسات الحكم والقرار.