لمياء ابن احساين تكتب : الإسلام السياسي في المغرب بين الدين وفشل السياسة

254

الإسلام السياسي في العالم العربي تجربة متعددة الأوجه بين الدعوة والمشاركة في الحكم أوالصدام الدموي والإقصاء الكلي في بعض الدول لكن في المغرب ظل الإسلام السياسي ظاهرة مركبة تتأرجح بين الدعوة والمعارضة والمشاركة المؤسساتية تميز مساره بخصوصية جعلته مختلفا عن التجارب العربية الأخرى حيث تداخل العامل الديني مع المكانة الخاصة للمؤسسة الملكية باعتبارها إمارة للمؤمنين، مما فرض على الحركات الإسلامية هامشا محددا للتحرك وتدبير مزدوج بإدماج جزء من الإسلاميين داخل اللعبة السياسية مقابل إبقاء جزء آخرخارجها في موقع المعارضة.
فقد بدأ الإسلام السياسي في المغرب سنة 1972 مع الشبيبة الإسلامية بقيادة عبد الكريم مطيع حيث استلهمت خطابها من جماعة الإخوان المسلمين بمصروسعت لمواجهة المد اليساري داخل الجامعات،لكن بعد قضية اغتيال عمر بنجلون اتهمت الحركة بممارسة العنف السياسي مما مهد لتفكيكها ودخول رموزها للسجن أوالمنفى، لتظهر بعدها العدل والإحسان بقيادة عبد السلام ياسين الذي اتخذ خطابا مختلفا ركز فيه على التربية الروحية والمشروع التغييري الشامل الذي ينص على الخلافة الإسلامية،خطابها هذا جعلها تصطدم بالدولة ليتم تضييق الخناق عليها وحظرها قانونيا ،فالمواجهة مع الدولة مكلفة ورغم ذلك لا زال لها تأثيرفي المجتمع خصوصا في الجامعات والفضاءات الاحتجاجية، غيرأن تمسكها برفض اللعبة السياسية الرسمية جعلها بعيدة عن التأثير المباشر في القرارات وهو ما يقلل من وزنها السياسي الفعلي،لكنها تواجه تحديات كبرى خصوصا بعد وفاة مؤسسها حيث مازالت تبحث عن صيغة جديدة للحفاظ على نفوذها.
وصول الإسلاميين للسلطة برزمع حزب العدالة والتنمية الذي تشكل رسميا بعد اندماج الإسلاميين مع حزب الحركة الشعبية الدستورية الديموقراطية برئاسة عبد الكريم الخطيب تمكن خلالها من بناء صورة الإسلام المعتدل وأن الملكية خط أحمر وقبل المشاركة في اللعبة الديموقراطية وجمع بين المجال الدعوي المتمثل في حركة التوحيد والإصلاح والمجال السياسي كحزب سياسي أكثر برغماتية من غيره من التيارات الإسلامية مع تبني خطاب سياسي معتدل وأنه مختلف عن باقي الأحزاب ليبلغ ذروته بعد حراك 20 فبراير 2011 ويتصدرالانتخابات التشريعية ويقود الحكومة لعقد من الزمن،لكن تجربته في الحكم أبانت عن ازدواجية المواقف والسياسات بين شعارات الإصلاح الاجتماعي والديني من جهة والواقع العملي للحكم من جهة أخرى وأسقطت صورته كحزب نظيف اليد وأنه لا يختلف عن غيره من الأحزاب وعجزه عن تحقيق وعود الإصلاح التي كان يرفعها في برنامجه الانتخابي مهد لفقد الثقة الشعبية التي اعتمد عليها في نجاحاته السابقة ما سهل سقوطه المدوي في 2021 .
الإسلام السياسي في المغرب يمثل جزءا من التحولات الكبرى التي عرفها العالم العربي منذ ثمانينيات القرن الماضي لكنه يظل تجربة حية ونموذجا خاصا مقارنة بالدول العربية لكنه فشل في اختبارالحكم والممارسة السياسيةالعملية فازدواجية المواقف وصعود حركات سياسية جديدة وتأثير الفضاء الإقليمي والمخاوف من الاستغلال السياسي للدين والخلط بين الدعوي والسياسي الذي أضعف وضوح الخطاب واصطدامه بحدود السلطة الفعليةحيث ظلت الملفات الاستراتيجية الكبرى بيد المؤسسة الملكية والتحكم السياسي للنظام الذي يترك هامشا محدودا أمام أي حزب كلها عوامل تقف أمام تمكن هذه التيارات ومع ذلك من الصعب الحديث عن نهاية الإسلام السياسي في المغرب لكنه بالتأكيد لم يعد بنفس القوة التي كان عليها قبل عقد من الزمن ومستقبله متوقف على مدى قدرته على التجديد والتكيف مع التحولات التي يعرفها المجتمع المغربي.