لمياء ابن احساين تكتب : الاحتجاج بين الحق والفوضى
يعد الحق في التجمهر والتظاهر من أبرز مظاهر الممارسة الديموقراطية التي تتيح للمواطنين التعبير عن أراءهم ومطالبهم بشكل حضاري وسلمي وقد كفل الدستور المغربي هذا الحق ،وقد أعادت الاحتجاجات التي عرفتها مدن المغرب النقاش حول الفرق بين التظاهر كحق دستوري مضمون والتجمهر الذي قد يتحول أحيانا إلى إخلال بالنظام العام ،فهل يمكن اعتبار كل تجمع احتجاجي مظاهرة وماهي الحدود القانونية التي تفصل بين الحق المشروع والفعل المخالف للقانون؟
ينص الدستور المغربي في فصله التاسع والعشرون على أن حرية الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي مضمونة غير أن ممارسة هذا الحق يخضع لضوابط قانونية تهدف إلى ضمان سلمية الاحتجاج وحماية الأمن العام
فالتظاهر هو خروج منظم ومصرح به يتم وفق المساطر القانونية التي تفرض إشعار السلطات المعنية مسبقا وتكون له أهداف محددة وشعارات معلنة في إطار احترام النظام العام والممتلكات العامة والخاصة
أما التجمهر فهو في العادة تجمع تلقائي غير مصرح به قد يفتقر إلى التنظيم وقد يتحول إلى أعمال فوضى وشغب مما يجعله خاضعا لمقتضيات القانون الجنائي وقانون التجمعات العمومية
وفي خضم الاحتجاجات التي عرفتها بعض مدن المغرب وفي لحظات معينة خرجت بعض الوقفات عن سياقها السلمي حيث ظهرت بعض الانزلاقات حول التخريب والفوضى ورفع شعارات مختلفة طغت عليها موجة من التحريض عبر مواقع التواصل الاجتماعي ،ومن الملاحظ بروز تأثير ما يعرف بجيل “زد”وهو الجيل الذي ولد في زمن العولمة الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي، وقد برزت محاولات واضحة لتوجيه الشارع المغربي من الخارج عبر صفحات وحسابات افتراضية تحرض وتدعو إلى التظاهر تحت شعارات براقة مستغلة حماس الشباب وحسهم الاحتجاجي ،غير أن المغاربة بوعيهم الاجتماعي وتجربتهم مع موجات مماثلة أدركوا أن بعض هذه الدعوات تخفي خلفها أجندات مشبوهة، فحافظوا على سلمية التعبير في الأيام التالية للاحتجاج وقطعوا الطريق على كل من حاول الركوب على الموجة أو تحويل مسار التظاهر نحو الفوضى
لقد أثبتت التجربة أن الشارع المغربي وإن كان متفاعلا مع القضايا الاجتماعية والاقتصادية ،إلا أنه يظل واقفا أمام محاولات الاختراق أو التوظيف الخارجي ،فالتظاهر في المغرب ليس بساحة مفتوحة للانفلات، بل مساحة للتعبير المسؤول الذي يجمع بين حرية القول وواجب الحفاظ على الأمن والاستقرار رغم كل محاولات التأثير الخارجي وتجييش الرأي العام ،وأن الدفاع عن الحقوق لا يعني المساس بالأمن أو العبث بالمكتسبات ؛ورغم أن الاحتجاجات حق مشروع يعبر عن نبض الشارع، فإن للمغرب
خصوصيته المتفردة التي تجعل من التوازن سمة أساسية في تعامله مع مثل هذه التحركات فوجود المؤسسة الملكية كضامن للاستقرار، والتفات المغاربة حولها في لحظات الأزمات يحول دون انزلاق البلاد إلى دوامة الفوضى التي عرفتها دول أخرى
وهكذا يبقى المغرب نموذجا في ممارسة الحق في الاحتجاج ضمن إطار من المسؤولية والوعي الوطني
