لمياء ابن احساين تكتب : السويداء بين مطرقة الصراع الداخلي وسندان التدخل الإسرائيلي

445

تشهد محافظة السويداء السورية واحدة من أكثر موجات العنف حدة منذ سنوات، حيث تداخلت النزاعات الطائفية ين الدروز والقبائل البدوية مع تدخلات إقليمية ودولية معقدة ورغم إعلان دمشق وقف إطلاق النار؛جاءت الضربات الإسرائيلية على مواقع عسكرية سورية لتضيف بعدا جديدا للصراع، مايثير تساؤلات حول الأهداف الحقيقية لهذا التدخل وحدود الدور الإسرائيلي في الجنوب السوري فهل تتحرك تل أبيب بدافع حماية الأقليات الدرزية كما تدعي أم أن الأمرجزء من استراتيجية أوسع لإعادة خرائط النفوذ في سوريا.
فتطورات الآزمة بين العنف القبلي والطائفي لم تكن مجرد مواجهات بين العشائر البدوية والمجتمع الدرزي بل عكست توترات تاريخية عميقة وكشفت عن هشاشة الوضع الداخلي السوري تحولت في الأونة الأخيرة إلى نزاعات دامية اشتدت أكثر مع تدخل قوات النظام السوري التي حاولت فرض السيطرة مما زاد من حدة الأزمة وتعميق الانقسامات الطائفية في ظل ضعف مؤسسات الدولة وغياب العدالة المجتمعية.
فمحافظة السويداء تعيش لحظة فارقة بين نارين مطرقة صراع داخلي دموي بين الدروزوالعشائرالبدوية وسندان التدخل الإسرائيلي المباشر الذي استغل الفوضى لفرض معادلات جديدة على دمشق، السويداء التي حافظت على خصوصيتها وهدوئها النسبي خلال سنوات الحرب السورية باتت اليوم مسرحا لتصفية الحسابات المحلية والإقليمية، فالضربات الجوية التي نفذتها إسرائيل ضد مواقع عسكرية وتمركزات للجيش السوري بمرر حماية الأقلية الدرزية التي تربطها بها روابط دينية وثقافية كدروز الجولان وفلسطين ومنع تمركزقوات إيرانية أو ميليشيات حليفة للنظام السوري بالقرب من حدودها لكن العملية تهدف إلى تثبيت التفوذ الإسرائيلي في جنوب سوريا وخلق مناطق عازلة تحمي بها أمنها القومي،ورغم إدانة دمشق وحلفائها إلا أنها لا زالت تشن غارات ممنهجة على آليات الجيش السوري لتقطيع طرق وصول القوات السورية إلى السويداء مدعية أن تحركاتها بناء على طلب موجه من عقل الطائفة الدرزية التي تنقسم زعامتها بين من يرى ضرورة التعاون مع دمشق لفرض الأمن ومن يرفض أي وجود عسكري ثقيل للنظام ، فغيلب الثقة بين الدروز ودمشق يجعل أي تدخل حكومي ينظرإليه كتهديد وليس حماية؛ويعطي الشرعية لإسرائيل لتكثيف ضرباتها.
ولا تقتصرهذه الضربات على الجانب العسكري فحسب بل تمتد إلى إعادة تشكيل لغة التفاوض المستقبلية حول الجولان المحتل، فالإسرائيلي من خلال فرض الفقص الأمني واستهداف مواقع سيادية في دمشق يوجه رسالة واضحة بأنها الطرف الأقوى القادر على رسم خطوط حمراء جديدة ما قد يدفع أي حوار مستقبلي إلى الانطلاق من واقع ميداني تفرضه تل أبيب وليس من قرارات دولية أو تفاهمات سابقة ، كذلك يعقد هذا التصعيد أي مسار محتمل للتطبيع بين دمشق وبعض الدول العربية ،إذ يظهر النظام السوري في موقع العاجز عن حماية عاصمته ويجعل ملف الجولان ورقة ضغط إضافية بيد إسرائيل في أي تفاوض قادم .
مايجري اليوم في السويداء ودمشق يتجاوز كونه مجرد صدام محلي أوغارات إسرائيلية عابرة بل يعكس تحولا استراتيجيا عميقا في طبيعة الصراع السوري ،بينما الضربات الإسرائيلية رسخت واقعا جديدا يجعل الجنوب السوري ورقة تفاوض بيد تل أبيب وخطة مدروسة لإعادة تعريف قواعد اللعبة الإقليمية وإجبار دمشق على القبول بشروط أكثرقسوة إذا طرحت طاولة التسوية حول الجولان والتطبيع المحتمل معها.
سوريا تتجه نحو مرحلة أكثر تعقيدا حيث يتقاطع الداخل الممزق مع الخارج الطامع ،وهنا تبدو المرحلة المقبلة اختبارا حاسما لمستقبل سوريا كوطن موحد ولقدرة النظام على الصمود امام معادلات إثليمية تزداد قسوة يوما بعد يوم.