لمياء ابن احساين تكتب : الصحراء المغربية في مرايا الإعلام الأمريكي تجاهل أم تحيز
منذ إعلان إدارة الرئيس دونالد ترامب سنة 2020 اعترافها بمغربية الصحراء وسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية
ظن كثيرون أن هذا التحول الديبلوماسي سينعكس سريعا على الخطاب الإعلامي الأمريكي، لكن الواقع أظهرغير ذلك فلا التغطية الصحفية تغيرت جذريا ولا اللغة المستخدمة تطورت بما يواكب الموقف الرسمي لواشنطن ، فهل نحن أمام تجاهل مقصود أم جهل مركب بالقضية؟
تغيب قضية الصحراء المغربية عن كبريات الصحف الأمريكية مثل النيويورك تايم والواشنطن بوسط ،باستثناء تغطيات متفرقة فقط عند حدوث توتر ميداني أوجلسة أممية وتكون في الغالب معتمدة من وكالات أنباء مثل رويترز أوأسوشيتد برس ويلاحظ استخدام مصطلحات رمادية كالصحراء الغربية أو المنطقة المتنازع عليها مما يضع السيادة المغربية موضع تشكيك ضمني وتجاهل تام للمسار الأممي وواقع التنمية والاستقرار في الأقاليم الجنوبية.
هذه اللغة الباردة تظهرأجندة خفية يلاحظ من خلالها أن الإعلام الأمريكي غالبا ما يعكس الرواية الأممية المعلبة دون التعمق في تفاصيل الصراع أوالإشارة إلى تأييد عشرات الدول لمغربية الصحراء،بل يمنح أحيانا جبهة البوليساريو مساحة مبالغ فيها وكأنها تمثل كيانا فعليا معترفا به رغم محدودية اعتراف المجتمع الدولي بها وتورطها في أنشطة مسلحة على ارتباط بجماعات متفرقة في الساحل ،ليبقى السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هل مازال للبوليساريو موطئ قدم في واشنطن؟ فرغم تراجع وزنها السياسي تستفيد الجبهة من بعض جماعات الضغط المدعومة من الجزائر في الأوساط الجامعية والإعلام البديل والمنظمات الصغيرة ذات التوجهات اليسارية ونشاط بعض الأصوات في الكونغرس المعادية للمغرب ورغم محدوديتها لكنها تشوش على صورة المغرب وتؤثر في تقاريرمنظمة هيومن رايت ووتش التي تميل في خطابها إلى محاكمة السياسة المغربية وتزييف تام للحقائق دون مقاربة شاملة،هذا التواجد لا يقارن بالتأكيد بوزن المغرب الجيوسياسي لكنه قادر على إرباك الصورة وتغذية رواية غير متوازنة.
لكن هل يتغير الخطاب في سياق التحولات الأخيرة وبروز خطوة محتملة ذات دلالة سياسية كبرى وهي توجه المغرب نحو سحب ملف الصحراء المغربية من الأمم المتحدة والاعتماد على المسارات الثنائية المباشرة مع الجزائرودول الجوار؛هذه الخطوة تعكس ثقة متزايدة في الموقف الديبلوماسي المغربي بعد تحولات بارزة في مواقف دول عديدة أبرزها الاعتراف الأمريكي والفرنسي والبريطاني والاسباني ودعم العديد من الدول الإفريقية واللاتينية.فالملاحظ أن الإعلام الأمريكي لا زال يواصل تجاهله وتداوله القاصر للخطوة فالسحب المحتمل للملف من الأمم المتحدة يشكل نقطة فارقة تستىوجب اهتماما إعلاميا مختلفا يكعس التحول الحقيقي في ميزان القوى ويكسر الجمود الذي استمر عقودا.
في ظل هذا أين الخطاب المغربي في أمريكا مقارنة بخطاب لوبيات الجزائر التي تستغل الإعلام لنشر أطروحتها في غياب رواية مغربية قوية باللغة الإنجليزية في المنصات المؤثرة الموجهة للناخب والمواطن الأمريكي، فبينما تبذل الرباط جهودا ديبلوماسية كبيرة،لا نلاحظ حضورا وازنا في المنصات الرقمية الأمريكية أو في الإعلام الناطق باللغة الإنجليزية وحتى الجالية المغربية في أمريكا رغم عددها وتأثيرها لم تستثمر بعد كقوة ناعمة تسهم في تصحيح الصورة وترويج الخطاب المغربي فلا يمكن حسم المعركة الديبلوماسية دون مواكبة إعلامية فعالة، فالإعلام الأمريكي حتى وإن كان غير معاديا فإنه يتبنى سردية جاهزة موروثة من زمن الحرب الباردة ،حيث كان ينظر للمغرب كحليف للغرب مقابل حركات تحررية بدعم سوفييتي، واليوم هذه السردية باتت متجاوزة لكن إن لم تستبدل بأخرى أكثر واقعية ستبقى حاضرة كصدى مزعج في خلفية التغطيات الإخبارية.
إذن بين الغياب والتأطيرالانتقائي لا تزال القضية الأولى للمغرب تعاني من التشويش الإعلامي في الولايات المتحدة وعلى المغرب أن يتعامل مع هذا الأمر كمعركة ناعمة تستحق أدوات إعلامية جديدة تبدأ بالرأي العام الأمريكي ولا تنتهي إلا جين تصبح “الصحراء المغربية” عبارة طبيعية في العناوين الكبرى.
