لمياء ابن احساين تكتب : جمهور للإيجار

425

مند بداية العدوان الإسرائيلي على غزة لم تهدأ التظاهرات في عدد من المدن المغربية وخصوصا الرباط وطنجة والدارالبيضاء، حيث خرجت جماهير ضخمة ترفع شعارات غاضبة تحمل صور الشهداء وتردد هتافات مناهضة للتطبيع مع إسرائيل .
لكن خلف هذه المشاهد المألوفة يطرح سؤالا محوريا: هل هذه الحشود العارمة تعبر فعلا عن حراك شعبي عفوي مستقل
أم أنها تستثمرمن أطراف إقليمية وعلى رأسها قطر لتحقيق أهداف سياسية تتجاوز غزة وتخدم مشاريع الإسلام السياسي المعزول، لا شك أن القضية الفلسطينية تحظى بمكانة وجدانية وتاريخية لدى المغاربة وقد ظلت لعقود جزءا من الضمير الجمعي العربي والإسلامي، لكن اللافت في التظاهرات الأخيرة خاصة تلك التي توجهت نحو موانئ المغرب بدعوى منع السفن المتوجهة لإسرائيل،أنها اتبعت خطابا موحدا بشكل مريب وسلكت مسارات تبدو منسقة مسبقا بل ومدعومة بمنصات إعلامية معروفة بتبعيتها لمحور سياسي معين ، لكن هل تتقاطع الأجندات من الدوحة إلى الرباط فخلال السنوات الأخيرة لم تخف قطر دعمها المفتوح لحركات الإسلام السياسي وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين كما أنها تستثمر بكثافة في الإعلام الموجه والرأي العام العربي منصات محسوبة على هذا المحور تدفع اليوم باتجاه تحريك الجماهير في عدد من الدول مستغلة التعاطف المشروع مع غزة، لتوجيه رسائل ضغط على الأنظمة العربية خاصة تلك التي اختارت مسار مايسمى بالتطبيع أو تحاول الحفاظ على علاقة متوازنة مع إسرائيل دون التخلي عن القضية الفلسطينية وإن كان مسار المغرب مختلفا.
في هذا السياق تتحول الجماهيرمن قوة ضغط وطنية مستقلة إلى جمهورللإيجار يخدم خطابات ممولة تحركها التعليمات بدلا من المبادرة والشعار بدلا من الفعل السياسي الحقيقي ليدخل في تناقض في توزيع الأدوار بين خطاب الشارع والدولة
وهذا ما يتأكد عندما تُحمل بعض التظاهرات الدولة المغربية مسؤولية التطبيع، متجاهلة أن المغرب يحتفظ بعلاقاته مع إسرائيل في إطار واضح ومعلن مقابل تمسكه بدعم حل الدولتين ورفضه لما يجري في غزة.
بمعنى آخر يقدم كموقف شعبي مقاوم قد يكون في بعض الأحيان خطابا معاد للدولة أكثر مما هو مناهض لإسرائيل خصوصا حين تختلط فيه شعارات دينية وهتافات ذات طابع إيديولوجي مستورد، فحين يتحول الشارع إلى أداة في يد أجندة إقليمية فإن الخطر لا يقتصر على فقدان مصداقية التضامن،بل يمتد إلى تحويل القضايا العادلة إلى أدوات ابتزاز سياسي .
في مثل هذه الحالة لا تنصر غزة فعليا بل تستغل لتلميع أطراف فقدت حضورها في الداخل وتحاول إعادة تدويرخطابها
عبر الشارع لا عبر المؤسسات ولا عبر مواقف واضحة ومسؤولة.
الجماهير المغربية خرجت فعلا لنصرة غزة وهذا لايشكك فيه أحد لكن من حقنا أيضا أن نتسائل من يحرك هذا الشارع ومن يمول الحملات ومن يضع الهتافات واللافتات والشعارات؟ فحين يصبح الشارع جزءا من إدارة سياسية موازية مدعومة خارجيا فإننا لا نكون أمام تضامن بل أمام تجييش مدروس قد يفرغ القضايا الكبرى من مضمونها ويحيلها إلى عرض مجاني لخدمة أجندات غير مغربية، فالتظاهر أمام الموانئ ومحاولة اقتحامها لا يدخل في خانة التعبير السلمي بل يعد تخريبا مباشرا للاقتصاد الوطني ويصب بشكل أو بآخر في مصلحة موانئء أجنبية منافسة وعلى رأسها قطرالتي تسعى جاهدة لعرض موانئها كمنافس بديل،وتقليص الدور المحوري الذي بات يلعبه المغرب في التجارة البحرية الإقليمية
فهل بات الاحتجاج واجهة لتصفية حسابات إقليمية على حساب السيادة المغربية.