لمياء ابن احساين تكتب : خارطة في الظل ماذا وراء المشروع الأمريكي لغزة

271

حينما تشاهد الفيلم الأمريكي زيرو دارك تيرتي الذي يتناول عملية مطاردة أسامة بن لادن التي
استمرت نحو عشر سنوات وانتهت باقتحام المنزل في باكستان وإعلان مقتله,ستجد أن معظم
أحداث الفيلم ترتكز على الحرب على الإرهاب والتعذيب النفسي والمعلومات الاستخباراتية
أي العمل السري والعمليات المظلمة ,مرورا بالقرارات الصعبة والحروب غير المرئية وهذا
ما يحدث بالضبط في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
فعتمة ما بعد الحرب بدأت في غزة والتي دخلت مراحلها الأكثر تعقيدا واشنطن دفعت بكثيرمن
الضجيج والقليل من الواقعية بمشروعها الجديد حول غزة إلى مجلس الأمن مشروعا بدا ظاهره
خارطة طريق السلام ,لكنه في جوهره يعيد إنتاج نفس المعادلة التي سقطت مرارا في الشرق
الأوسط ,ورغم تمرير القرار في مجلس الأمن,فإن لحظة التصويت لم تكن لحظة إجماع بقدر
ما كانت لحظة تكريس ميزان قوى لا يراعي الحقائق على الأرض ولا وزن الفصائل الفلسطينية
ولا طبيعة المجتمع الغزي.
في صميم المشروع الأمريكي بندان يختصران روحه؛ قوة دولية تفرض على غزة ,وإدارة انتقالية
تشبه مجلس وصاية ,المشروع الذي جاء بإخراج أمريكي وتنفيذ إقليمي رفض من طرف حماس
التي ترى فيه خطة تقصي دورها وتنزع سلاحها و تعتبره استسلاما بلا مقابل سياسي أو ضمانات
كما أن إعادة السلطة للقطاع تحت إشراف أمني خارجي يجعلها أداة ضبط غزة وليس إدراة شؤونها
وغياب لأي إشارة لإنهاء الاحتلال أورفع الحصار,الشيءالذي يجعل إسرائيل هي المستفيد الأوحد
حيث أنها ستحصل على ترتيبات أمنية طويلة المدى دون التزامات سياسية تجاه الفلسطينيين وإضعاف
المقاومة وإخرجها من المعادلة دون تفاوض مباشر مع ضمان شريك فلسطيني قابل للتنسيق وتحت
رقابة عربية امريكية.
أما الغزييون فالحصة المخصصىة لهم في المشروع تبدو مشروطة بالكامل, إعمار مرتبط بإعادة تشكيل
السلطة وهدوء مرتبط بنزع السلا ح ومستقبل معتم ووفق ما يقرره الآخرون.
رفض حماس ليس مجرد عرقلة سياسية بل اعتراض على رؤية لا تراعي حقيقة أن غزة لا يمكن أن
تدار من الخارج ولا يمكن أن ترسم ملامحها دون أخذ مصالح أهلها في الاعتبار,وبين طموح واشنطن
وتشدد تل أبيب وحسابات حماس, يبقى السكان العالقون بين الخرائط والمعارك هم الخاسرالأكبر مالم
تولد مقاربة جديدة تنطلق من سؤال واحد كيف يعاد للغزيين الحق في أن يكونوا هم صانعي المستقبل
لا مجرد موضوع في مشاريع الآخرين.
وبعد رفض حماس لا ينتهي المشروع لكنه يفتح الباب لثلاثة مسارات محتملة:
أولاها تعديل المشروع بإضافة ضمانات سياسية لضمان قبول أوسع ,ثانييها محاولة إسرائيل فرض
واقع جديد بالقوة على الأرض خاصة في الجنوب والوسط, ثالثها صيغة هجينة تشارك فيها قوى
ميدانية عبر وسطاء في إطار ترتيبات مؤقتة.
في فيلم الحرب تكون الخريطة دائما أنيقة وسهلة فيما تكون المعركة على الأرض فوضوية مليئة
بالوجوه المنهكة والقرارات الحادة , فالخطة الأمريكية تشبه تلك الخرائط محكمة على الورق ملتبسة
على الأرض ,لأن المشاريع التي تكتب في الظل نادرا ما تصمد أمام الضوء والخطة الأمريكية لغزة
بقدر ما تحمل وعودا براقة بقدر ما تكشف عن منطق قديم وهو إدارة الصراع بدلا من إنهائه,ضبط
القطاع بدلا من تحريره وخلق نظام سياسي ضعيف يضمن الهدوء ولا يبني السيادة.
غزة بحاجة إلى خريطة جديدة لكن خريطتها لا يمكن أن ترسم في واشنطن أوفي تل أبيب ولا في
غرف التفاوض الإقليمية ,خريطتها الحقيقية تبدأ من سؤال بسيط كيف يصبح للغزيين صوت
في مستقبلهم , وحتى يأتي الجواب ستظل كل الخرائط الأخرى مجرد خرائط في الظل فغزة دارك
تيرتي مشروع في العتمة ورفض فوق النار.