لمياء ابن احساين تكتب: شيطنة القبائل

0

لم يكن إعلان استقلال منطقة القبائل حدثا معزولا أوعابرأو انفعالا سياسيا طارئا,بل تتويجا لمسار طويل من
الصدام بين شعب يطالب بالاعتراف والكرامة,ونظام اختارمنذ عقود سياسة الانتقام والشيطنة بدل الحوار
والاحتواء.
إعلان الاستقلال الذي تم من فرنسا,جاء ليضع النظام الجزائري أمام مرآة ماضيه القمعي وليفجر أسئلة كبرى
حول وحدة الدولة وشرعية خطابها ومستقبلها السياسي.
فمنذ الاستقلال تعامل النظام الجزائري مع منطقة القبائل باعتبارها استثناءًً مقلقا لا جزءا متنوعا من النسيج
الوطني,فبدل الاعتراف بالخصوصية اللغوية والثقافية والسياسية للقبائل,اختار النظام سياسية الإقصاء من تهميش
تنموي وقمع أمني ومحاكمات سياسية ووصم دائم لكل مطالب بالحقوق على أنها مؤامرة خارجية.لكن القبائل
لم تكن تطالب يوما بأكثر من المساواة والاعتراف,لكن الرد كان دائما بالهراوات والرصاص,كما حدث في
الربيع الأمازيغي والربيع الأسود وفي كل محطات الاحتجاج,ومع كل جيل جديد كان القمع يولد قناعة أعمق
بأن الدولة الجزائرية لا ترى في القبائل مواطنين بل خطرا يجب تحجيمه,وعندما تغلق كل قنوات السياسةيصبح
الانفصال خيارا مطروحا.
إعلان الاستقلال لم يآت من فراغ بل من انسداد كامل في الأفق الداخلي,فالنظام الذي يرفع في خطاباته شعار حق
الشعوب في تقرير المصير من فلسطين إلى الصحراء المغربية رفض بشكل قاطع مجرد مناقشة هذا الحق حين
تعلق الأمر بالقبائل.
هذا التناقض أسقط آخر أوراق المصداقية الأخلاقية للنظام الجزائري وفتح الباب أمام خطاب جديد في منطقة
القبائل إذا كانت الدولة لا تعترف بنا فلما نبقى أسرى لها.
اختيار فرنسا وتحديدا قصر فرساي لم يكن تفصيلا بروتوكوليا بل رسالة سياسية متعددة الأبعاد,فرنسا رغم
تاريخها الاستعماري تبقى فضاءً حرا للتعبير السياسي في مقابل جزائر تغلق فيها الحدود أمام الرأي المخالف
أما قصر فرساي بما يحمله من رمزية تاريخية مرتبطة بالسيادة والقرارات الكبرى فقد شكل منصة مقصودة
لإيصال رسالة مفادها أن القضية القبائلية خرجت من الإطار المحلي ودخلت المجال الدولي.
الإعلان من فرنسا يعني أيضا أن النظام الجزائري دفع معارضيه إلى المنفى السياسي ثم عاد ليدينهم لأنهم تكلموا
من الخارج ,مفارقة أخرى تنضاف إلى سجل طويل من التناقضات لنظام أصيب في مقتل رمزي فالدولة التي
بنت شرعيتها على وحدة التراب الوطني وجدت نفسها أمام تحد علني منظم ومؤطر سياسيا,والرد كان متوقعا
تخوين وتهديد وتصعيد أمني وإعلامي,لكن هذه الأدوات التي استهلكت داخليا تبدو عاجزة عن إخماد نقاش دولي
بدا يتشكل.
الأخطر بالنسبة للنظام ليس الإعلان بحد ذاته بل بما يكشفه من هشاشة العقد الوطني وعمق الفجوة بين الدولة
ومكونات أساسية من شعبها.
مابعد الإعلان لن يكون سهلا على أي طرف فالحركة القبائلية ستكون مطالبة بتكثيف العمل الدبلوماسي وتنظيم
خطابها السياسي وتفادي الانزلاق إلى العنف الذي قد يتستغل لتبريرالقمع,أما النظام الجزائري فسيجد نفسه أمام
خيارين لا ثالث لهما إما الاستمرار في سياسة العصا مع ما يحمله من عزلة دولية متزايدة,أو فتح باب حوار
حقيقي يعترف بجذور الأزمة لا أعراضها.
لكن التجربة تقول أن النظام الجزائري يميل دائما إلى الخيار الأول مايعني أن مرحلة شد الحبال قد بدأت وأن
ملف القبائل دخل طورا جديدا لن تحسم فصوله بسرعة.
إعلان استقلال القبائل ليس نهاية القصة بل بدايتها هو صرخة سياسية في وجه دولة اعتادت إسكات الأصوات
بدل الإصغاء إليها,وبين شيطنة القبائل وتقديس الوحدة الشكلية تنكشف حقيقة واحدة أن الدول لا تتفكك حين
تطالب الشعوب بحقوقها بل حين تصر الأنظمة على إنكارها.