لمياء ابن احساين تكتب : صراع الإخوة ( السودان بين نار البرهان وحميدتي )

408

منذ اندلاع المواجهات بين الجيش السوداني بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد
حمدان دقلو المعروف بحميدتي والسودان يعيش واحدة من أكثر مراحله دموية واضطرابا منذ الاستقلال.
وما كان ينتظرأن يكون انتقالا ديموقراطيا بعد سقوط نظام عمرالبشير,تحول إلى حرب مفتوحة تهدد بتقسيم
البلد أكثر مما هو عليه وتغييرموازين القوى في القرن الإفريقي والبحر الأحمر.
فالخلاف بين الرجلين ليس مجرد تنافس على الحكم بل هو انعكاس لأزمة بنيوية في الدولة السودانية التي
فشلت منذ عقود في تحقيق توازن بين المركز والهامش.
فالبرهان القادم من المؤسسة العسكرية التقليدية يرى نفسه الحارس الشرعي للدولة ووحدتها,بينما يجسد حميدتي
القوى القادمة من الهوامش فقد خرج من دارفور وكون قوته في البداية بمباركة عمر البشير وبالمال والنهب
والولاءات القبلية مستفيدا من دعم خارجي وصمت داخلي طويل.
تحالف الرجلان في البداية لإسقاط نظام البشير الذي كان مستقويا بحميدتي وميليشياته قوات الدعم السريع ,لكن
مإإن غاب العدو المشترك حتى برزت التناقضات بينهما ,فالجيش يريد استعادة احتكاره للقوة ,فيما يسعى حميدتي
لتكريس تفسه فاعلا سياسيا واقتصاديا لا يمكن تجاوزه, وبين هذا الصراع الدموي يدفع الشعب السوداني الثمن
في الخرطوم ودارفوروكردفان , مدن تحولت إلى ساحات قتال مفتوحة فيما يعاني ملايين المدنيين من الجوع
والنزوح وانعدام الخدمات الأساسية والقتل على الهوية في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في إفريقيا, ويبدو
أن معاناة السودانيين لا تحرك سوى بيانات قلق دولية من دون أي ضغط فعلي على الأطراف المتحاربة لوقف
النزاع.
فالحرب السودانية لم تعد حربا داخلية فقط بل أظهرت تقارير متعددة أن أطرافا إقليمية ودولية تغذي
الصراع فالإمارات تقدم دعم غير مباشر لقوات الدعم السريع عبرقنوات تسليح وتمويل تمرمن خلال دول الجوار
الإفريقي,في إطار سعيها لتأمين نفوذ على موانئ البحر الأحمر والذهب السوداني.
وفي المقابل تتابع الولايات المتحدة المشهد وهي تحاول الموازنة بين الحفاظ على علاقاتها مع حلفائها
الخليجيين وبين الدعوة إلى وقف الحرب أو التدخل لحل الصراع,هذا التناقض في المواقف الدولية جعل
من السودان ساحة صراع غير معلنة بين مصالح متقاطعة عربية وغربية ترى في البلد بوابة استراتيجية
إلى العمق الإفريقي, و بعض النخب السياسية والقبلية تسعى إلى استثمار الحرب لإعادة تموضعها
داخل المشهد السوداني ما يعقد فرص التهدئة, لتبقي البلاد رهينة لمعادلات النفوذ والمصالح المتغيرة ,هذا
التشابك بين العوامل الداخلية والخارجية يجعل السيناريوهات المقبلة أكثر غموضا وخطورة على وحدة
السودان ومستقبله, فالمخاوف تتجه نحو ثلاثة سيناريوهات قائمة.
أولها تقسيم فعلي للبلاد مع احتفاظ البرهان بمناطق الشمال والشرق وبقاء حميدتي مهيمنا على الغرب ودارفور.
ثانيها تحول السودان إلى ساحة حرب بالوكالة بين قوى إقليمية ودولية تتصارع على الموارد والموقع الجغرافي.
وأخرها انهيار مؤسسات الدولة بالكامل على غرار النموذج الليبي مع انتشار الميليشيات وتفكك المجتمع.
في نهاية الأمر لن ينجو السودان إلا إذا تجاوز منطق السلاح لصالح منطق الدولة ,لأن صراع الإخوة
البرهان وحميدتي تجاوز حدود المنافسة العسكرية ليصبح مرآة لأزمة الدولة السودانية في هويتها وبنيتها
السياسية وما لم يتوقف التدخل الخارجي ويمنح السودانيون فرصة تقرير مصيرهم بحرية,فإن البلاد ستدخل
مرحلة جديدة من التفكك الطويل الأمدي يهدد الأمن الإقليمي من البحر الأحمر إلى وسط إفريقيا.