لمياء ابن احساين تكتب : لبنان بين فوهة البندقية وراية الدولة
هل سلاح حزب الله قوة ردع أم عبءعلى لبنان فلطالما شكل ذلك السلاح واحدة من أكبر القضايا حساسية في المشهد السياسي اللبناني، حيث يتقاطع فيها البعد الوطني بالمعطى الإقليمي وتتجاذبها تفسيرات متضاربة بين من يراه ركيزة للمقاومة وبين من يعتبره تهديدا للسيادة.
ففي كل مرة يطرح فيها ملف نزع سلاحه تعود الذاكرة اللبنانية إلى حقبة مابعد الحرب الأهلية حين طوي سلاح الميليشيات وكان حزب الله هو المستثنى وبدأت الدولة في استعادة سلطتها إلا أنها وبعد ثلاثة عقود لا تزال عاجزة على بسطها كاملة في ظل وجود قوة عسكرية تابعة لحزب عقائدي يتجاوز تأثيره الداخل اللبناني إلى أدوار إقليمية متشابكة
وبين الأصوات الداعية إلى نزع سلاح الحزب لضمان حياد لبنان واستقراره، تظل المسألة رهينة التوازنات الدقيقة التي تحكم البلاد والمنطقة ، فمنذ انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان عام 2000 تحول حزب الله من مقاومة عسكرية ضد الاحتلال إلى لاعب سياسي عسكري يملك نفوذا واسعا داخل مؤسسات الدولة وخارجها، هذا التحول أعاد صياغة دور الحزب في المشهد اللبناني وربط مسألة سلاحه ليس فقط بمسألة الدفاع الوطني بل أيضا بالتوازنات الطائفية والتحالفات الإقليمية والرهانات الدولية.
فبعد حربه في سوريا وفيما عرف بحرب الإسناد حول غزة واغتيال أكبر قاداته زادت حدة النقاش حول سلاحه ومعادلة الدولة مقابل المقاومة،فأنصار الحزب يرون أن الدولة اللبنانية غير قادرة على حماية لبنان في غياب جيش مجهز وبالتالي فإن بقاء السلاح ضروري لحماية البلاد وردع إسرائيل التي لا زالت تحتل خمس نقاط في لبنان وفي المقابل يرى القسم الآخر أن استمرار سلاح الحزب خارج سلطة الدولة يضعف هيبتها ويعمق الانقسام الداخلي ويخلق دولة داخل الدولة خاصة وأن الحزب يتحكم بقرار الحرب والسلم دون الرجوع إلى المؤسسات الشرعية مما يزيد في تأكيد أنه لا يشكل فقط أزمة وطن بل ورقة إقليمية تربك الدولة وتعمق مأزق التوازن اللبناني وتخلق الجدل السيادي للدولة في مواجهة السلاح الموازي .
وأعاد المبعوث الأمريكي الخاص توماس باراك تسليط الضوء على الملف من زاوية دولية مباشرة عبر تقديم مقترح شامل يقضي بانسحاب إسرائيلي متزامن من نقاط الجنوب اللبناني مقابل نزع تدريجي لسلاح الحزب خلال فترة لا تتجاوز ستة أشهر، الأمر الذي قوبل بالرفض الصريح من قبل الحزب حيث وصفه الأمين العام نعيم قاسم خلال خطب عاشوراء بأنه ورقة استسلام مقتعة ،مؤكدا أن الحزب لن يسلم سلاحه مالم تطلق إسرائيل يدها وتنهي وجودها في جنوب لبنان وأن السلاح هوحق مشروع للدفاع عن لبنان،مطلقا حملة تواصل مدني توعدي تحت شعار “لن نتخلى عن أسلحتنا ” ليظهرأن التباين في ملف سلاح الحزب لا يعالج فقط بوساطة دولية أو حوافز مالية بل يتطلب معالجة جذرية للمخاوف السياسية والهواجس الأمنية، فلا يمكن عزل السلاح عن البعد الطائفي فالحزب المرتبط بالطائفة الشيعية يمثل في نظر الكثيرين ذراعا لطائفة واحدة تمتلك القوة العسكرية في بلد هش يقوم على توازن طائفي دقيق ،هذا الواقع يشعر الطوائف الأخرى بالتهميش ويهدد ما تبقى من صيغة العيش المشترك ، فالسؤال لم يعد فقط متى ينزع السلاح بل كيف يمكن بناء دولة لا تقصي أحدا لكنها تحتكر قرار السلم والحرب.
لبنان يقف فعلا بين فوهة البندقية وراية الدولة فإما أن ينتصرمنطق السلاح وهذا هو الأرجح أو ترفع راية الدولة فوق الجميع وإلا فلا غالب ولا مغلوب وسيبقى شعارا بين استمرار الانهيار واعتداءات إسرائيل.
