لمياء ابن احساين تكتب : مسرحية الحرب الأخيرة من كتب فصل النهاية

87

في مشهد مسرحي قاتم أسدل الستار على واحدة من أكثر الحروب إثارة للقلق حرب إسرائيل وإيران التي استمرت اثني عشر يوما في مشهد دموي جديد في مسرح الشرق الأوسط ،تركت خلفها رماد مدن وخرائط أمنية جديدة وأصواتا ماتزال تصرخ في صمت مابعد الانفجار.
فالحرب بين إسرائيل وإيران لم تكن مجرد صدام عسكري، بل كانت لحظة كاشفة لمعادلات القوة والتوازنات الهشة في المنطقة ،فبرغم وقف إطلاق النار التي هللت له العواصم الغربية لايزال المشهد مشتعلا تحت الركام، فالسلاح صمت لكن الحسابات لم تنته بعد والخطاب الدبلوماسي عاد لكنه يخبئ خلفه صدى الانفجارت وخوف متبادل من الجولة القادمة فهل طويت الصفحة فعلا أم أننا نعيش مجرد فاصل بين فصلين من صراع طويل في كتاب حرب حاربت فيه إيران لوحدها دون محورها وحلفائها.
فالفصل الأول كانت حربا لها ألف مخرج والموت كان هو الحاضر في كل مشهد أكثر من 600 قتيل في إيران واستهداف مباشر لمواقع عسكرية ونووية وتلويح باندلاع مواجهة شاملة قد تخلط اوراق المنطقة لعقود،وعشرات
الضربات الغير مسبوقة داخل العمق الإسرائيلي والآثرالنفسي كان أكبرمن الحصيلة المعلنة ،لكن خلف التصعيد العنيف لم يكن واضحا من يقود المشهد فعليا عل هي تل أبيب الراغبة في كسر خطوط إيران الحمراء أم طهران التي أرادت إثبات ان الرد قادم مهما كان الثمن،أم واشنطن عبر ترامب التي كانت تحرك خيوط اللعبة لتصنع نهاية مقبولة لحرب كادت تخرج عن السيطرة فكان فصلها الثاني هو الفيصل حيث خرج ليتبنى وقف إطلاق النار في لهجة لا تقل انفجارا عن
صورايخ الحرب نفسها ،انتقد الحليف قبل الخصم وفرض الهدنة بسلطة الكلمة لا الدبلوماسية معلنا هدنة لا تشبه السلام لكنها تبين على أنه هو المخرج الذي يعلن وقف المسرحية او بدأها.
فرغم أن إسرائيل لم تعلن صراحة إنهاء عمليتها، كما أن إيران لم تعترف بتراجعها أوانهزامها، وخطاب المرشد الذي أشاد فيه بالنصر الذي يراه فقط من منظورالشخصية الإيرانية البرغماتية جاء ليعزز صورته داخليا ويرسخ رواية أن الرد العسكري كان فعالا وكاف لردع إسرائيل ،لكن عسكريا لم تحقق إيران انتصارا بل ما خسرته أظهر اختراقها أمنيا من طرف إسرائيل التي أعلن رئيس وزرائها أنه لن يسمح لإيران بأن تواصل برنامجها النووي ، إذن تقييم النصر على الأرض سيأتي لاحقا مع توقيع أي اتفاقات ومراقبة مدى التزامها بوقف إطلاق النار،ورغم الهدوء النسبي الذي فرض نفسه بدأت التقارير تتوالى عن قنوات سرية للتهدئة التي مرت عبر وساطات عمانية وروسية وربما حتى تركية.
فالسلام بلا انتصار ونهاية معلقة في مسرح غاب عنه الجمهورلكن الأبطال لم يغادروا بعد وخلف كواليس المسرحية
لا يعرف من ربح ومن خسرإبران خرجت مثخنة بالجراح منشآت نووية تضررت حسب التقارير التي تقول أن الضربات التي وجهتها أمريكا لمنشآت فوردو وأصفهان ونطنزأثرت بنسبة 70 في المئة،وقيادات الحرس الثوري قتلت والاقتصاد المنهك أساسا زاد اختناقا.
إسرائيل بدورها لم تخرج دون خسائر فصورة الردع والقبة الحديدية أظهرت أنها قابلة للاختراق وسكانها عاشوا القصف لأول مرة منذ سنوات ،لكن الأخطر هو المشهد الإقليمي الذي تغير، دول الخليج صمتت علنا بينما تركيا وروسيا راقبت الحدث.
انتهت الجولة لكن الحرب لم تطوى ما حدث ليس إلا مشهدا في مسرح طويل تتحكم فيه المصالح والإيديولوجيا والهواجس الأمنية ، الستار أسدل مؤقتا لكن المسرح لايزال مضاء واللاعبون خلف الستار يجهزون للمشهد الموالي خصوصا مع عدم وجود أي اتفاق بين البلدين، فهل سنشهد سلاما حقيقيا أم حربا أخرى تكتب على مهل تعطي الوقت لإسرائيل كي تعيد ترتيب أوراقها وتقوية سلاحها، فهدنة ترامب أسكتت المدافع لكن الشك يلف أروقة السياسية في تل أبيب وطهران وواشنطن حول وقف إطلاق النارهل هو هدنة تمهد لاتفاق بين الأطراف الثلاثة أم سلام على حافية الهاوية.