لمياء ابن احساين تكتب : مقتل الإبن الضال

274

تشكل قضية ياسر أبو شباب واحدة من أكثر الملفات إثارة للجدل في السياق الفلسطيني الإسرائيلي, لم يكن اسمه
معروفا خارج محيطه الضيق,فالشاب الذي انتقل من قطاع غزة إلى داخل إسرائيل,ثم ارتبط بشكل وثيق بأجهزة
استخبراتها,ليصبح نموذجا صارخا للإبن الضال الذي عاد إلى المشهد عبر نهايته المأساوية, قصة تتشابك فيها
الخيانة والزواج الموجه والعمل الاستخباراتي ثم النهاية الغامضة التي ماتزال الأسئلة حولها مفتوحة.
فالرحلة الغامضة من غزة إلى الداخل انتهت بتجنيده في الضل وزواج بإسرائيلية ,فقصة أبو شباب تكشف كيف
يتحول الفرد الهش إلى ورقة تستخدم ثم ترمى حين تنتهي صلاحيتها,فلم تكن نهايته مفاجئة لمن يعرف آليات
عمل الاستخبارات الإسرائيلية ,فمنذ اللحظة التي عبر فيها حدود غزة باتجاه إسرائيل ,صار الشاب مجرد أداة
تتحكم بها الأجهزة الأمنية ولم يكن استثناء فهو واحد من عشرات استهدفتهم إسرائيل عبراستغلال الفقر والحصار
والاجتياح,حينها يتحول الضعف الإنساني إلى خيانة مدفوعة وهذه طريقة استراتيجية ممنهجة تعتمدها الأجهزة
الإسرائيلية لضرب النسيج المجتمعي الفلسطيني.
زواجه من إسرائيلية كان خطوة اعتبرها البعض جزءا من استراتيجية التثبيت التي يعتمدها الموساد مع عملائه
لحمياتهم وقطع صلاتهم مع الماضي, هذا الزواج لم يكن مجرد علاقة بل كان وسيلة للحصول على وضع قانوني
مستقر داخل إسرائيل,وغطاء يحميه من الشكوك ويمنح الأجهزة مساحة أكبر للتحكم في حركته,ورغم ذلك لم يمنح
الزواج له حياة مستقرة فقد ضل يعيش كورقة استخباراتية قابلة للتمزيق حين تنتهي صلاحيتها.
الرجل الذي كانت إسرائيل تعول عليه للسيطرة على المناطق التي خرجت منها حماس قتل في ظروف غيرواضحة
لم تصدر منها أي معلومة رسمية تحدد ملاباسات الحادث الشيء الذي فتح الباب أمام ثلاثة احتمالات رئيسية.
اأولاها أن أبو شباب أصبح عبئا ولم يعد ذا فائدة للجهات التي جندته ,ثانيها تصفيته من طرف عشيرته ,ثالتها
وهو الأكثر واقعية أنه تمت تصفيته خلال تعرضه للضرب من أفراد جماعته القوات الشعبية المسلحة التي سارع
مساعده غسان الدهيني إلى تنصيب نفسه قائدا لها وهو الضابط السابق في جهاز الأمن التابع للسلطة الفلسطينية
والذي انضم إلى جماعة جيش الإسلام وهي جماعة مسلحة مرتبطة فكريا بتنظيمات متشددة ,هذا التشعب يجعل
تصفية أبو شباب مطلوبة من عدة جهات.
صمت السلطات الإسرائيلية يكشف عن حساسية القضية وأن مقتله ارتبط على الأرجح بدور لم يكن عابرا,لكن
في ظل غياب إعلان رسمي سيظل السؤال من قتله مفتوحا على الاحتمالات لا على الحقائق.
ياسر أبو شباب لم يكن عميلا بارزا ولا شخصية أمنية خطيرة كان مجرد شاب يعاد تشكيله حسب ظروفه وحسب
من يملك قوته ,ساهم في مقتل االمئات من الغزاويين ونهب المساعادات ,ثم انتهت رحلته في نفس النقطة التي
بدأت منها,الغموض وانعدام اليقين ,عاش منبوذا في محيط لم يحتضنه يوما ومات في نهاية ملتبسة لا تحمل سوى
اللعنة فالسقوط في بئر خيانة الوطن له نهاية واحدة لا نجاة منها مهما طالت الرحلة أو تعددت الوجهات ,انتهت قصته
كما تنتهي قصص كثيرة تكتب في الهامش.