لمياء ابن احساين تكتب : نصر الله الحاضر الغائب

247

مر عام على اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله الذي ترك الحزب أمام امتحان وجودي غير مسبوق، فبعد عقود من حضوره الكاريزمي وجد الحزب نفسه خلال هذا العام يتأرجح بين محاولة الحفاظ على تماسكه الداخلي وبين احتقان سياسي بالغ في لبنان حول من يحتكر السلاح في يده في ظل محاولات الدولة اللبنانية حسر السلاح في يدها وبسط سيادتها على البلاد في وجه التحديات التي يفرضها الحزب في الشارع وبين مواجهة الضغوط الإقليمية والدولة التي ترى في غياب نصر الله فرصة لتقليص نفوذ الحزب
نصر الله الرجل الذي ارتبط اسمه بثنائية المقاومة والسلاح، في حياته كان الحزب أشبه بالدولة داخل الدولة فشخصيته مكنته من الجمع بين الشرعية والعقائدية والقدرة السياسية ومنحته مكانة تجاوزت حدود الطائفة الشيعية وخطابه الإعلامي كان سلاحا موازيا لصواريخه، أما سلاح الحزب فقد كان محاطا بمعادلة المقاومة ضد إسرائيل وهو ما منح وجوده العسكري غطاء وطنيا ودينيا، حتى لو كان مثيرا للجدل

ومنذ الاغتيال يعيش الحزب مرحلة حقيقية من إعادة التموضع، فبرحيل نصر الله وهاشم صفي الدين فقد الحزب القيادة التي جمعت بين الصلابة العسكرية والذكاء السياسي، القيادة الجديدة وإن حافظت على الخط المقاوم تبدو أقل قدرة على الإمساك بخيوط اللعبة اللبنانية المعقدة وأقل تأثيرا في محور الممانعة الممتدة من طهران إلى غزة
بقاء الحزب أسيرا لأيديولوجيته وسلاحه والبيئة الشيعية التي كانت تحيط به بدأت تظهر تململا خفيا، فالأزمة الاقتصادية الخانقة في لبنان والعزلة السياسية وتراجع الخدمات الاجتماعية التي كان الحزب يؤمنها، كلها عوامل جعلت شعار المقاومة يفقد بريقه لدى جزء من جمهوره، ومع ذلك فاغتيال نصر الله أعاد إنتاج الهالة حول الحزب إذ استخدم الغياب لتغذية خطاب المظلومية والصمود

إقليميا لم يتغير موقف الحزب من إسرائيل ولا من سلاحه فالسلاح لازال يقدم كرمز للمقاومة ولا يمكن التخلي عنه ولم يظهر الحزب أي استعداد لتسليمه، بل زاد من خطابه المقاوم مبرزا بقاء السلاح بالتهديد الإسرائيلي والوفاء لنصر الله وقادة الحزب الذين استشهدوا
وفي خضم كل ما يحدث في لبنان يبقى نصر الله الغائب الحاضر في كل خطاب وفي كل معركة يخوضها الحزب في الميدان أو السياسية، وربما تكون المرحلة المقبلة اختبارا حقيقيا لقدرة الحزب على البقاء كقوة موحدة قابلا لقلب الموازين وتغيير مسار الأحداث لا كظل لرجل رحل وترك وراءه إرثا يصعب تجاوزه