لمياء ابن احساين تكتب : وكلاء الشيطان

224

في زمن تتداخل فيه الجغرافيا مع الخوارزميات وتنصهر فيه الحدود تحت حرارة الحروب الرقمية ,تشهد البيئة
الرقمية في شمال افريقيا واحدة من أكثر التحولات حساسية منذ سنوات,وذلك بعد أن فجرت منصة إكس تويتر
سابقا واحدة من أكبرالفضائح في تاريخ المنصات الرقمية,ألاف الحسابات التي تبين أنها تدارمن خارج المغرب
تحديدا من الجزائر وقطر,رغم أن معظمها قدم نفسه على أنه يعبر عن الرأي العام المغربي أو شباب المغرب.
هذا الاكتشاف لم يكن مجرد حادث تقني عابر بل كشف عن بنية كاملة لحرب رقمية تستهدف الاستقرار السياسي والاجتماعي في المغرب, شبكات تعمل بأساليب أشبه بميليشيات إلكترونية ولجان وكتائب مجندة تحولت إلى
أدوات تبث الفوضى وصناعة رأي عام اصطناعي في محاولة لتشويه صورة المغرب وجره إلى صراعات
وهمية.
اعتمد الكشف الأخيرعلى خاصية تقنية جديدة تسمح بتحديد البلد الحقيقي الذي يدار منه الحساب,هذه السمة
أسقطت القناع عن شبكات واسعة كانت تشن حملات متكررة ضد المغرب عبر رسائل موحدة وتوقيتات منسقة
وصور ومعلومات مضللة, وقد ظهرأن الجزائر تتصدر الدول التي تدارمنها الحسابات المعادية للمغرب إلى
جانب شبكات أخرى في قطر لها سجل سابق في دعم حملات إعلامية وسياسية مضادة للمصالح المغربية ولا
يتعلق الأمر بشبكات عادية بل عمل منظم يقوم على خوارزميات ومجموعات مغلقة وبرامج آلية هدفها تضخيم
أي خطاب عدائي تجاه المغرب في الفضاء الرقمي الدولي.
من بين أكثر النقاط حساسية في الفضيحة ما يتعلق بالحسابات التي برزت تحت عنوان شباب زد والتي ادعت
تمثيل الشباب المغربي والتحدث باسمه من خلال منصات احتجاج تطالب بتحسين أوضاع التعليم والصحة.
الكشف التقني بين أن الصفحة كانت تدارمن الجزائر وجز ءمنها من كندا,وماكان يبدو معارضة داخلية أو موجة
شبابية مستقلة ظهر أنه جزء من هندسة ممنهجة للرأي العام,تعتمد على الذباب الإلكتروني بإعادة تدويرالمحتوى
العدائي وتضخيم الأحداث المحلية بهدف زعزعة الاستقرارالأمني وصناعة صورة مشوهة للوضع الداخلي
المغربي,واستخدام لغة مغربية لإيهام المتابعين بأنه محلي كما يعتمد على محتوى تحريضي معدمسبقا,بهذاالمعنى
لم يكن جيل زد حركة شبابية مستقلة بل واجهة مضللة تستخدم لبناء سرديةاحتجاجية مصطنعة يتم تسويقها على
أنها حقيقة ميدانية.
لماذا المغرب ؟ لا يمكن فصل هذه الحملة عن السياق السياسي الإقليمي,فالمغرب أًصبح خلال السنوات الأخيرة
قوة صاعدة في افريقيا وشريكا استراتيجيا لعدد من الدول الكبرى,كما عزز مواقفه الدبلوماسية خاصة في ملف
الصحراء المغربية,هذا التحول لم يرض بعد الأطراف الإقليمية التي تقتات من قضية الصحراء للبقاء في السلطة
وجدت نفسها أمام معادلة جديدة تعيد تشكيل ميزان القوى.
على الجانب الآخرفي قطرغرفة عمليات بديلة وواجهة إعلامية وحسابات نشطة ومؤثرة تتبنى خطابا معاديا
للمغرب وتعمل على تضخيم أي احتقان اجتماعي.
هذه الشبكات ليست جديدة على المنطقة إذ سبق أن لعبت دورا مماثلا في حملات رقمية استهدفت دولا عربية
أخرى.
تكمن خطورة هذه الحسابات في قدرتها على صناعة واقع رقمي موازي يتم تقديمه كحقيقة للرأي العام الدولي
كأنه صادر عن المواطنين المغاربة بينما هو في الواقع لا يمثل إلا خريطة متقنة من الحسابات المزيفة أو المدارة
من خارج المغرب.
وجودهذه الحسابات يبرزأن الحرب الرقمية أصبحت أداة جيوساسية بامتياز تستخدم فيها المنصات الدولية لتمرير
رسائل سياسية دون حاجة إلى إعلان موقف رسمي.
فضيحة حسابات منصة إكس أعادت التذكير بأن المعارك الحديثة لم تعد تخاض فقط بالأسلحة التقليدية بل عبر
خوارزميات وتطبيقات وحسابات مجهولة, هؤلاء الوكلاء الذين يعملون من خلف الشاشات لا يحملون سلاحا لكن
تأثيرهم قد يكون أعمق من أي مواجهة عسكرية,فهم يعيدون نشكيل الإدراك االعام ويزرعون الشك ويقوضون
الثقة بين المواطن ومؤسساته.
إن هذا الحدث يمثل درسا أساسيا حول هشاشة الفضاء الرقمي الدولي وحول ضرورة تطوير أليات حماية مضادة
ليس فقط عبر الأمن السيبراني بل عبر تعزيز الوعي الاجتماعي بخطورة التضليل الرقمي ومن يقف وراءه
ومن يدير الحقيقة ومن يختلقها؟