لمياء ابن احساين : صراع الكبار والحمل الوديع الأوكراني
لو كنت أعتقد أن الرئيس بوتين لا يريد إنهاء هذا الوقع لما تحدثت عن ذلك أساسا، كنت سأنسحب فورا أظن أنه اكتفى من الحرب ، جاءت هذه الكلمات للرئيس الأمريكي دونالد ترامب عقب اتصاله بالرئيس فلاديمير بوتين أمس الاثنين.
المكالمة التي دامت ساعتين ونصف نالت اهتماما من ترامب حيث سبقها بإعلان كبير على منصة التواصل الاجتماعي تروث، في حين لم يفرغ بوتين جدول أعماله بل أجرى المكالمة من مدرسة للأطفال الموهوبين في منتجع سوتشي على البحر الأسود.
الرجلان نظرا إلى الحدث من زاويتين مختلفتين تماما بعد المكالمة، فترامب يريد أن يفي بوعده أثناء حملته الانتخابية بإنهاء الحرب في أوكرانيا وبوتين لديه خلفيات تاريخية تعود للقرن 18عندما كانت شبه جزيرة القرم تابعة لروسيا ؛ لكن بعد انهيار الاتحاد السوفياتي أصبحت القرم جزءا من أوكرانيا ويعتبر الشعبين الروسي والأوكراني شعب واحد.
لكن هل هذا هو سبب الصراع ، الحرب لم تأت إلا بعد أن أبدت أوكرانيا رغبة للانضمام لحلف الناتو الشيء الذي أثار قلق روسيا واعتبرته تهديدا لأمنها القومي وطالبت بضمانات مكتوبة بعدم توسع حلف الناتو شرقا، تلتها الاضطرابات منذ العام 2014 التي تقودها المعارضة الأوكرانيا بتمويل من روسيا في دونباس شرق أوكرانيا حيث سيطر الانفصاليون على أجزاء كبيرة من المنطقة ،وتم ضم القرم بعد استفتاء وهو ما تعتبره أوكرانيا والغرب غير قانوني.
الاختلافات الاقتصادية حيث تسعى أوكرانيا لتعزيز تجارتها مع الغرب ،بينما تسعى روسيا لبسط نفوذها الاقتصادي في المنطقة وتقزيم أوكرانيا جغرافيا واقتصاديا، وتبقى أسباب إيديولوجية وسياسية كثيرة لاندلاع الحرب بين الدولتين ،بوتين القيصر الذكي الذي من جهة يدير روسيا بقبضة حديدية ومن جهة أخرى يتعامل مع السياسة العالمية والعلاقات الدولية بمهارة واستبداد، وهذا ما أكده في كلامه بعد المكالمة مع ترامب حيث بدا كأنه الممسك بزمام الحرب بقوله نرحب باستئناف المفاوضات في اسطانبول ونريد وقف مؤقت لإطلاق النار وإيجاد سبل للتسوية ،كلام قابله استهجان من الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي، متهما بوتين بأن كلامه ماهو إلا محاولة لكسب الوقت وعدم الرغبة للانخراط في مباحثات جدية للتوصل لاتفاق ينهي الحرب التي دامت لأكثر من ثلاث سنوات تدفع ثمنها الدول النامية .
فاتورة الحرب التي باتت تثقل اقتصادات الدول الغربية وتثير مخاوفها أكثر، مما دفع بهم إلى المطالبة بنقل المفاوضات إلى الفاتيكان برعاية البابا الأمريكي الجديد، مخاوف من هجوم روسيا على دول مجاورة أو استخدام أسلحة غير تقليدية مما يؤدي إلى اتساع رقعة الحرب مما يهدد الأمن الأوروبي والعالمي.
لا يبدو ان نهاية الحرب قريبة في الأفق خصوصا بعد خروج الاتحاد الأوروبي اليوم رسميا بحزمة جديدة من العقوبات على روسيا ، تستهدف 200 من أسطولها من ناقلات النفط الخفية التي تسعى من خلالها إلى بيعها في الأسواق العالمية ، لكن الضغط الدولي وتكاليف الحرب المتزايدة عليها قد تفتح الباب لحلول جدية لهذه الأزمة التي يظل مستقبلها مرتبطا بتوازنات معقدة بين المصالح العسكرية والاقتصادية والسياسية، سواء بين البلدين المتحاربين أو بين الغرب وروسيا .
