لمياء اين احساين : على خريطة الترحيل غزة بين فكي التهجير والتصفية

463

في قلب كارثة إنسانية غير مسبوقة في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، تقف غزة أمام أخطر سيناريو منذ نكبة 1948 فبين صواريخ إسرائيل وحصار يحول الحياة إلى جحيم، يلوح في الأفق مشروع تهجير قسري يراد له أن يقتلع مليوني فلسطيني من أرضهم تحت ذرائع الحلول الإنسانية؛ وبين فكي التهجير والتصفية تحاول إسرائيل رسم خريطة جديدة للقطاع، بينما يقف الفلسطينيون والعرب أمام اختبار تاريخي فهل تكتب لغزة نكبة ثانية؟
فالحديث عن تهجير الغزاويين ليس حديثا وليد الظرف بل هو جزء من سياسة إسرائيل منذ 48 عندما أجبرت مئات الألاف من الفلسطينيين على مغادرة أرضهم ، تكرر السيناريو ذاته في 67 مع احتلال الضفة وغزة واليوم تعود الفكرة نفسها بوجه أكثر قسوة ،إذ تسعى تل أبيب لاستغلال الحرب الحالية والأوضاع الإنسانية الكارثية لفرض واقع جديد على القطاع .
تستخدم إسرائيل مزيجا من القصف المدمر والحصار الخانق والتجويع الممنهج لدفع الفلسطينيين نحو النزوح وفي ذات الوقت تسويق فكرة إخلاء المدنيين مؤقتا عبر حملات سياسية وإعلامية توحي بأن تقل سكان غزة إلى سيناء أو دول إفريقيا كليبيا وإثيوبيا أو حتى إندونيسيا قد يكون حلا إنسانيا ،بيتما الحقيقة أنه مشروع لتفريغ الأرض وتغيير ديموغرافيتها، لكن مصر أعلنت رفضها لأي توطين أو استقبال لسكان غزة على أراضيها معتبرة أن هذا المخطط يعني تصفية للقضية الفلسطينية وإلغاء حق العودة وسط تحذيرات من أن قبول التهجير حتى لو كان مؤقتا سيحوله إلى دائم كما حدث في نكبة 48، وفي ظل التسويق للترحيل والعمل على إقناع الدول التي قد تكون مستقبلة للغزاويين يظهر مشروع المدينة الإنسانية في رفح جنوب القطاع الذي عرضه وزير الدفاع يسرائيل كاتس تكون خاضعة لفحص أمني ومراقبة إسرائيلية شديدة الشيء الذي عارضته الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة معتبرين إياها بالمحاولة لإقامة مسعكرات اعتقال على الحدود، ووسط الرفض المصري والبعد الدولي تسعى إسرائيل لإقناع الولايات المتحدة ودول غربية لتمويل خطة التهجير ورغم عدم وجود موقف رسمي معلن فإن صمت المجتمع الدولي يعطي لإسرائيل مساحة للمناورة واستمرار عدوانها وتدمير غزة بشكل يجعل الحياة فيها مستحيلة ، بالإضافة إلى أن الضغوط الدولية التي قد تمارس على دول الجوار لقبول اللاجئين كما غياب موقف عربي ودولي حاسم يفرض وقف الحرب ومنع التهجير، كلها عوامل تساعد في نجاح المخطط الإسرائيلي.
وسط هذه التعقيدات يبرز تساؤل سياسي حساس هل يمكن أن تضع حركة حماس سلاحها مقابل وقف العدوان وضمان بقاء السكان في القطاع ، فترويج إسرائيل لفكرة أن أي حل لغزة مرهون بنزع سلاح الفصائل خصوصا حماس وهو ما تعتبره الحركة استسلاما كاملا وإلغاء لدورها، في المقابل يتردد في الكواليس الدولية طرحان إما حكم السلطة الفلسطينية لغزة أو حكمها من طرف ياسر أبو شباب زعيم ميليشيا قبلية باسم القوات الشعبية بسط نفوذه في رفح ومتهم بنهب المساعادات الإنسانية التي تقدم للغزاويين وينظر إليه كأداة إسرائيلية لضرب هياكل حماس.
بين التهجير القسري ومحاولات فرض بدائل سياسية مشبوهة تعيش غزة أخطر مراحلها فالقصف لا يهدف فقط للتدمير بل إلى إعادة رسم خريطة القطاع سكانيا وسياسيا بحيث يستبدل شعب بأكمله ونظام مقاوم بسلطات ووجوه ترضي الاحتلال،والتهجير بدافع التجويع لن يكون مؤقتا بل تصفية هوية وكيان ،ويبقى صمود الغزاويين ورفض مصر والدول العربية للمخطط هو الحاجز الأخير أمام نكبة جديدة قد تغير وجه المنطقة للأبد.