ماذا وراء “التصويت المبكر” في الانتخابات الأمريكية؟

20

رغم بلوغه السابعة والثمانين من العمر، لا يزال “فرانك ميل” يحافظ على تقليد حياته اليومي في بيته الصغير، الذي يعيش فيه وحيدًا بعد وفاة زوجته “ميلي”، وانتقال أبنائه للعيش في ولايات بعيدة عنه.

يُخرج فرانك في كل صباح العلم الأمريكي ليعلقه عند مدخل بيته، ثم يعود خطوة إلى الوراء ويؤدي له التحية العسكرية..

فرانك واحد من قدماء المحاربين الأمريكيين الذين خاضوا حرب فيتنام، ولا يزال يحافظ على انتمائه الحماسي إلى قيم الحزب الجمهوري، كما عاش عليها في مرحلة شبابه، ولا يزال يتمنى أن يعيد الحزب صياغة أفكاره ويحيي توجهات رموزه التاريخية الكبيرة، بدءًا من الرئيس إبراهام لينكولن وانتهاء بعهد الرئيس رونالد ريغان.

وفي هذا الصباح الخريفي البارد، توجه فرانك إلى مقر حكومة المقاطعة الإدارية لفرفاكس، للإدلاء بصوته في الانتخابات؛ لأن ولاية فرجينيا واحدة من بين ست وأربعين ولاية أمريكية تسمح لمواطنيها بالتصويت مبكرًا، وقبل موعد الانتخابات بأسابيع.

يقول فرانك إن هذا التصويت مريح جدًّا لكبار السن من أبناء جيله؛ لأنه يسمح لهم بتجنب الانتظار في الطوابير في يوم الانتخابات، كما يسمح لهم بتنظيم وقتهم بالطريقة التي تتماشى مع التزاماتهم الشخصية والعائلية.

مضيفًا أنه لطالما صوّت مبكرًا عندما كان يخدم في الجيش عن طريق إرسال بطاقة الاقتراع عبر البريد من أي مكان وجده فيه، إذ عمل في القوات البحرية لأربعة عقود من الزمن، إذ يتيح القانون الأمريكي كذلك التصويت من الخارج ولمواطنيه العاملين في الجيش ومن أي بقعة في جهات العالم الأربعة.

أخبار ذات علاقة

المحارب السابق في فيتنام يشدد على أن التمسك بالحق في التصويت هو شكل من أشكال ممارسة المواطنة بصورتها الكاملة، مشددًا على أنّ حضوره المبكر إلى مركز الاقتراع هو تجسيد لقيم المواطنة التي آمن بها في فترة خدمته العسكرية.

ويعدُّ فرانك، المحارب السابق والثمانيني المتقاعد، واحدًا من بين 50 مليون أمريكي أدلوا بأصواتهم حتى الآن، ضمن عملية التصويت المبكر في الولايات المتحدة.

ويصف مسؤولو الحكومات المحلية الأمريكية هذا الرقم بـ”التاريخي”، وهو مؤشر على مدى رغبة المواطنين في المشاركة في هذه الانتخابات.

 

مهندسة البرمجيات، فيفيان ماثيو، وهي شابة في مقتبل العمر، تأتي كذلك إلى مركز الاقتراع في مقاطعة فرفاكس، ولديها رؤية مختلفة عن التي يملكها فرانك، فبالنسبة لفيفيان، فهي ترى أن الأمة الأمريكية تواجه حالة من الانقسام الحاد غير المسبوق، ما أدى إلى كثير من الاضطرابات في السنوات الأخيرة، لذلك تتمنى أن يصبح الوضع أفضل في الفترة المقبلة.

وتدعو فيفيان من سيفوز في انتخابات الرئاسة بالوفاء بوعوده الانتخابية التي طرحها في حملته، عادَّة أن وعوده هي السبب في اختياره من قبل المواطنين الأمريكيين، وهي لا تخفي انزعاجها من الوضع الاقتصادي الحالي..

تقول إن وضع الأسعار “مقلق جدًّا”، وهي والعديد من العائلات الأمريكية باتوا مرهقين، إذ إنها تعاني لتأمين المواد الأساسية لأطفالها، لذا فهذه قضية جدية بالنسبة لها، ويجب أن تكون أولوية وطنية في أجندة الرئيس القادم، إضافة إلى قضايا الهجرة والحريات.

فيفيان، وبصفتها متخصصة في علوم التكنولوجيا، تقول إن على حكومة بلادها ابتكار طرق أكثر سهولة وتيسرًا للناخبين في المستقبل، تؤكد أن هناك مبدعين كثيرين، لذا يتوجب جعل هذه المسألة أكثر سهولة في حياة الناس، خاصة للمسنين، والمرتبطين بأعمال كثيرة.

تأتي دعوة فيفيان في وقت يثار فيه جدل متزايد بعد تلميحات من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري دونالد ترامب حول وجود خروقات في عملية التصويت المبكر في ولاية بنسلفانيا، وحتى قبل إجراء عمليات الفرز، وقبل موعد التصويت العام.

ويقول مراقبون إن ترامب يسعى بهذه التصريحات لإطلاق حملة جديدة شبيهة بتلك التي أطلقها في 2020، عندما شكك في نزاهة الانتخابات في الولايات المتأرجحة جميعها، واتهم مسؤولين محليين بالاعتماد على الأصوات التي وصلت عن طريق البريد إلى مراكز الفرز، التي قال عنها إنها خضعت لعمليات تلاعب آنذاك، بعد أن خسر ولايتي جورجيا وبنسلفانيا لاحقًا في فرز أصوات البريد.

بدورهم، يقول مسؤولون محليون إن عمليات الفرز المبدئية، تشير إلى أن المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، تحقق تقدمًا جزئيًّا في الأصوات التي فُرِزت حتى الآن على المستوى الوطني، ولكن على المستوى المحلي، هناك تقدم لترامب في ولايات مثل فلوريدا ونيفادا.

الديمقراطيون راضون تاريخيًّا

ومن الناحية التاريخية، ينظر الديمقراطيون دائمًا بعين الرضا إلى التصويت المبكر، وهم يقولون إن القاعدة التي يعتمدون عليها في تقييم حظوظهم ترتكز على حجم الاستجابة بين الناخبين، وأنه كلما كان التصويت المبكر أكثر كثافة، زادت حظوظهم في الفوز.

ويشيرون إلى ذلك السيناريو الذي حدث في انتخابات الرئاسة قبل أربع سنوات، إذ رغم ضغوط وباء كورونا في حينها والقيود المتشددة، دعوا أنصارهم إلى المشاركة في التصويت المبكر، في الوقت الذي دعا فيه ترامب إلى التصويت بكثافة في يوم الاقتراع، ما حقق للديمقراطيين فوزًا ساحقًا في أصوات البريد والتصويت المبكر، بينما تراجع الجمهوريون بفارق كبير.

ومنذ تلك التجربة، تغيرت إستراتيجية الحزب الجمهوري بتحفيز أنصاره على المشاركة الواسعة في التصويت المبكر، وهو الذي ظهر جليًّا في انتخابات هذا العام.

تلك الرهانات الإستراتيجية من الحزبين على أهمية التصويت المبكر في حساباتهما الانتخابية تزداد أهمية هذا العام، بسبب التقارب الهائل في استطلاعات الرأي جميعها بين المرشحَين، إذ تكاد أن تكون استطلاعات الرأي جميعها بين هاريس وترامب وطنيًّا متقاربة جدًّا بمعدل 48% لكليهما، وفي حالة تقدم أحدهما، فإن نسبة تقدمه لا تتعدى 2%، وهي نسبة تقع في دائرة هامش الخطأ، الذي يُترك دائمًا مفتوحًا في استطلاعات الرأي جميعها.

وتشير البيانات الحكومية المؤقتة حاليًّا إلى نسبة 39% مؤيدة للديمقراطيين، و36% مؤيدة للجمهوريين، مظهرة كذلك أن نسبة 45% من هذه الأصوات قادمة من أولئك الذين تجاوزت أعمارهم الخامسة والستين عامًا.

هذه الأرقام تعد قياسية مقارنة بتلك الأرقام المسجلة قبل أربع سنوات، عندما بلغ مجموع الأميكييين الذين صوتوا مبكرا 100 مليون, جامعةً لمن صوتوا شخصيا في مراكز الاقتراع ومن صوتوا عن طريق البريد.

وتابعوا المزيد من  الأخبار  علي موقع من أمركيا