مجمود دسوقي يكتب: الأفول الوشيك للشمس الأمريكية

42

يبدو أننا نشهد بداية النهاية لنظرية القطب الأوحد، فعلى الرغم من الامتياز الأمريكي العسكري والاقتصادي شبه المطلق، إلا أن أقطابًا جديدة باتت تتشكل وتتقارب بخطى سريعة معلنة العصيان في وجه أمريكا ورافضة لسطوتها وسياساتها غير المتزنة.
ويأتي اجتماع قادة روسيا والصين والهند و7 دول أخرى في شمال الصين، لحضور القمة السنوية لمنظمة شنغهاي للتعاون، بمثابة تحدِ جديد أمام أمريكا العظمى، خاصة وأن 10 دول بعضها مصنّف كعدو واضح لأمريكا أعضاء في المنظمة، ويبلغ عدد قاطنيها حوالي نصف سكان المعمورة.
وتمتلك الدول المتحالفة في منظمة شنغهاي، اقتصاديات ضخمة وقوى عسكرية ونووية مهيبة لا يمكن أن تغفلها أمريكا، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تحقق أي نجاح يُذكر في حربها الاقتصادية مع الصين المُصنفة ثاني أقوى اقتصاد على مستوى العالم، وها هي الهند تتمكن من إقصاء أقوى حلفاء أمريكا “اليابان” وتستحوذ على المركز الرابع في قائمة أقوى 10 اقتصاديات على مستوى العالم، وتمكنت أيضًا من تعزيز علاقاتها الاقتصادية بروسيا بعد أن أصبحت المشتري الرئيسي للنفط الروسي منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية وهو ما زاد من حدة التوترات مع واشنطن.
الأفول المرتقب للشمس الأمريكية، ليس سببه فقط التكتلات الاقتصادية المعلنة أو التحالفات العسكرية الضمنية بين الدول التي لا تريد للقطب الأوحد أن يستمر، لكن أيضًا حلفاء أمريكا أصبحوا يعانون من سياساتها وتضررت شعوبهم من غموض إجراءاتها، فها هي أمريكا تتخلى ولو نسبيًا عن حليفتها أوكرانيا بعد توريطها في حرب ضروس مع روسيا، ولم تنجو الدول الأوروبية أيضًا من تعريفات أمريكا الجمركية وإن كانت مخفضة رغم استخدامها كورقة ضغط في الحرب الروسية الأمريكية وإجبارها على الاستغناء عن الغاز الروسي، ناهيك عن التهديدات الأمريكية المباشرة لكندا ومحاولة ضم أراضيها.
إن الرغبة في القضاء على الهيمنة الأمريكية العسكرية والاقتصادية على العالم، يتم التأصيل لها وفق معطيات عدة، في مقدمتها التاريخ الأمريكي الحافل بالحروب غير المبررة وغير المتكافئة ومنها الحرب الكورية (1950/1953)، وحرب فيتنام (1955/1975)، وحرب الخليج الثانية عام 1991 ضد العراق، والحرب على أفغانستان (2001/2021) ضد طالبان، وها هي أمريكا تدعم بلا سقف وعلى مدار أكثر من عام حربًا إسرائيلية غاشمة على شعب غزة، ويكفي القول إن الحروب الأمريكية على مدار التاريخ خلفّت ما يزيد 250 مليون قتيل ولا يزال قادة الدولة العظمى يدحون بصوت عالِ – هل من مزيد!!.

بقلم: محمود دسوقي صحفي بمؤسسة الأهرام وباحث أكاديمي