محمد شلبي يكتب : الجبهة الداخلية بين صمود الشعوب واجتياح غزة

29

نحن على بُعد أيام لا نعرف معالمها بعد. أسئلة كثيرة تطرق عقولنا، لكن اليقين الوحيد أننا نطمئن إلى دولتنا وإلى جاهزيتها لما قد يحدث في الإقليم، من القرن الإفريقي إلى غزة، ومن الشرق الأوسط حتى شمال إفريقيا. في هذه اللحظة الفارقة، لا بد أن نعي كأبناء لهذا الوطن أن قوة الدولة الحقيقية لا تُستمد فقط من مؤسساتها، بل من جبهتها الداخلية: من الشعب، ومن المجتمع المدني، ومن كل فرد يختار الانتماء وقت الشدائد.

إن أي خروج عن هذا الانتماء في زمن الكوارث ليس سوى خيانة. فالتاريخ علّمنا أن الحروب حروب شعوب قبل أن تكون حروب جيوش. ولحظة الانقسام هي لحظة الانكسار. أما إذا استقوينا بأنفسنا وبوحدتنا، فإننا نعبر الصراط المستقيم بأمان. وإن ضعُفنا، سنسقط جميعًا في هوة لا عودة منها، إذ من يسقط في خيانة الداخل لا يُقام له عود من جديد.

غزة نموذج الحاضر

في غزة اليوم تتجسد المأساة بأوضح صورها. منذ السابع من أكتوبر 2023، حين نفذت حماس هجومها المفاجئ، أعلنت إسرائيل الحرب وبدأت عملياتها العسكرية. وفي 27 أكتوبر، بدأ الاجتياح البري الشامل الذي توسّع ليشمل غزة المدينة وخان يونس ورفح. واليوم، وبعد ما يقارب عامين من القصف والاقتحام، أعلنت إسرائيل أن مدينة غزة منطقة قتال، حيث تجاوز عدد القتلى 63 ألفًا بحسب وزارة الصحة في غزة، في ظل ظروف إنسانية كارثية وانقطاع شبه كامل للمساعدات الإنسانية (AP News).

رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر حذّرت من أن أي محاولة لإجلاء سكان غزة المدينة “غير آمنة وغير قابلة للتنفيذ”، لأن النزوح الجماعي سيضاعف المأساة ويجعل المدنيين أكثر عرضة للموت والجوع (Reuters).

ورغم كل الأصوات الدولية المطالبة بوقف إطلاق النار، ترفض الحكومة الإسرائيلية ذلك، مبررة استمرار الحرب بملف الرهائن وبضرورات الأمن، بينما يذهب محللون إلى أن استمرار العمليات يرتبط بحسابات سياسية داخلية لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو (AP Analysis).

الدرس المستفاد

المشهد في غزة ليس بعيدًا عنا، بل هو مرآة تحذرنا مما قد يعنيه الانقسام الداخلي وقت الأزمات. الحرب هناك أثبتت أن الشعوب حين تُترك ممزقة بلا جبهة داخلية قوية، تدفع الثمن الأكبر. وهنا تتجلى أهمية ما نكرره: الوحدة الوطنية ليست شعارًا، بل هي الضمانة الأولى والأخيرة للبقاء.

إن مصر بتاريخها ومكانتها الجغرافية والسياسية ليست بمنأى عن التحديات، لكن قوتها تكمن في أبنائها إذا اتحدوا، لا فرق بينهم في دين ولا لون ولا انتماء. اللحظة التي نمر بها تتطلب يقظة، ووعيًا بأن كل صوت نشاز وكل محاولة لتفتيت الصف الداخلي ليست سوى خيانة عظمى.

الخاتمة

لقد قلناها وسنظل نرددها: الحروب حروب شعوب، لا جيوش فقط. ومَن أراد لوطنه النجاة فعليه أن يلتف حول جبهته الداخلية، فهي الحصن الأول والأخير. فالمستقبل يُصنع الآن، والوطن يُبنى من الداخل، وإن انهار الداخل انهارت كل الحصون.

محمد شلبي
قبطان بحري