محمود دسوقي يكتب: السد الإثيوبي بين “القنبلة المائية” ومخاوف “التعطيش”

11

في ختام أسبوع القاهرة الثامن للمياه، وجهت مصر رسائل عدة للأطراف الدولية وعلى رأسها إثيوبيا تضمنتها كلمة رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، كان أبرزها الإشارة إلى التحديات التي تواجهها الدول في إدارة مواردها المائية والسعي نحو تحقيق الأمن والتنمية لشعوبها، وأن مصر نموذجًا واضحًا لهذه التحديات حيث تواجه منظومة مائية معقدة تتسم بمحدودية الموارد واعتمادٍ يفوق 98% على مياه نهر عابر للحدود، إلى جانب تزايد سكاني مستمر، وانخفاض نصيب الفرد من المياه إلى ما دون حد الندرة المائية العالمي، مؤكدًا أن نهر النيل شريان الحياة لأكثر من مائة مليون مواطن مصري.
والتصريحات المصرية الرسمية؛ بأن مياه النيل قضية وجودية لا هوادة فيها ولا تهاون، وأن التعاون العادل والمنفعة المشتركة هو السبيل الوحيد لتحقيق التنمية المستدامة لجميع شعوب الحوض، تعكس واقعًا ملموسًا وحرصًا مصريًا على حياة ومستقبل 100 مليون مواطن بخلاف 20 مليون من الوافدين، خاصة وأن دول حوض النيل لا تعاني شحًّا في الموارد المائية، حيث يتساقط على الحوض أكثر من ١٦٦٠ مليار متر مكعب من الأمطار سنويًا، بينما لا يصل إلى دولتي المصب مصر والسودان سوى ٨٤ مليار متر مكعب فقط، بما يعادل نحو ٥٪ من إجمالي الموارد المائية لنهر النيل.
التعنت والاستفزاز الإثيوبي؛ فيما يتعلق بأزمة السد فاق الحدود حيث لا يزال الإصرار الإثيوبي على ترديد خطاب أحادي والترويج لمفاهيم مغلوطة حول ملكية النهر ومصادر مياهه، في محاولة لتبرير سياسات منفردة في إدارة مورد مشترك، بما يخالف مبادئ القانون الدولي ويفتقر إلى أبسط قواعد الشفافية والتنسيق بين دول الحوض، كما أن الادعاء بوجود نسب مساهمة في مياه النيل هو طرح يتنافى مع العلم والقانون؛ فالنهر لا يمنحه أحد، بل هو نظام بيئي وهيدرولوجي متكامل تشترك فيه جميع دول الحوض بحقوق وواجبات متوازنة.
وإذا كانت مصر أعلنت أكثر من مرة عدم ممانعتها أي خطط تنموية في أي دولة إفريقية وكذلك في إثيوبيا، فلا يعني ذلك تقبُّل الضرر الناتج والمتعمد من الآخرين واستخدام مصطلح التنمية كذريعة لفرض السيطرة أو إلحاق الضرر بالآخرين؛ فالقانون الدولي يؤكد أن الحق في التنمية لا ينفصل عن واجب عدم التسبب في ضررٍ للآخرين، وهو المبدأ الذي يجب أن يكون أساس أي مشروع على الأنهار المشتركة.
الموقف المصري واضحًا وجليًا وكما جاء على لسان رئيس الوزراء؛ فالأمن المائي ليس مجالًا للمساومة أو التجريب السياسي، وأن أي تصور بإمكانية المساس بحقوق مصر التاريخية والقانونية هو محض وهم لدى أصحابه، فالنيل بالنسبة لمصر قضيةُ وجودٍ لا تقبل المغامرة ولا المساومة، وستظل مصر ملتزمة بالتعاون القائم على القانون الدولي، وفي الوقت نفسه حازمة في الدفاع عن حقوقها بكل الوسائل المشروعة.
الرد الإثيوبي على التصريحات المصرية بشأن السد، لم يخلو من التعنت والاستفزاز في كل مرّة، حيث أكدت إثيوبيا على لسان رئيس وزرائها آبي أحمد حقها السيادي في الاستفادة من مياه نهر النيل خاصة وأن النهر ينبع من أراضيها والقانون الدولي يضمن لها إقامة المشروعات التنموية لخدمة شعبها، كما أعلنت إثيوبيا رفضها الاعتراف بالاتفاقيات التي أبرمت فترة الحقبة الاستعمارية بدعوى عدم كونها طرفًا فيها وبالتالي فهي غير ملزمة قانونيًا أو سياسيًا.
المخاوف من السيطرة الإثيوبية على مياه النيل، لا تتعلق فقط بتعمد إثيوبيا تعطيش مصر والسودان، لكن أيضًا هناك مخاوف جلية من استخدام مخزون السد من المياه كقنبلة مائية فتيلها بيد إثيوبيا، وفي ظل التمسك المصري بالحقوق المشروعة في مياه النيل والتعنت الإثيوبي المتزايد، هل نشهد خلال الفترة المقبلة صراعًا إقليميًا على ملف المياه؟!
محمود دسوقي
صحفي بمؤسسة الأهرام وباحث أكاديمي