محمود عبد الغني يكتب .. لغة الأورك (الحلقة الثانية : هل كان الغرض من التخليق عقائديا)
النهار كان أكثر أمنا, ذهبت كعادتي في هذا الوقت إلى المكتبة العمومية, الشمس ساطعة على عكس الأمس, مع وجود لسعة برد, لكن ذلك لم يؤثر على بهجتي بالطقس الصحو, كان عدد رواد المكتبة قليلين كالعادة في مثل هذه الأيام وهذه الظروف, وكان أكثرهم من المهتمين بكتب التراث, لاحظت أن هناك المزيد من المجلدات تمت إضافتها إلى أرفف المكتبة, مجلدات راحت تزاحم الأعمال الإبداعية, تلك التي راح وجودها يتقلص يوما بعد يوم, نظرت حولي, كنت أبحث عن شخص ما, لم يكن موجودا, لكن الأخر راح يرمقني باهتمام, تحاشيت النظر إليه واتجهت إلى الأرفف التي تحمل الكتب المترجمة من لغات أخرى, لاحظت غياب عدد غير قليل منها, شعرت بيد تربت بتوتر على كتفي, التفت فرأيت الذي كان يرمقني باهتمام واقفا أمامي, سألني أتبحث عن شيء ما, قلت عادى فأنا من مريدي المكتبة, قال أنه يعرفني جيدا, قلت راغبا في أن أنهي الحديث أنى لا أحتاج مساعدته, فقال بحدة أنه لا يرغب في مساعدتي لكنه هنا ليخبرني أنى لن أجد اليوم ما أبحث عنه, تركني وعاد إلى طاولته, نظرت ناحيته فرأيت الرجل الذي كنت أبحث عنه, رأني هو أيضا, غمز لي بعينه, وأشار بإيماءة برأسه إلى أقصى المكتبة, بعد قليل ذهبت إلى حيث أشار, انتهزت فرصة أن الأخر كان منهمكا في بعض الأعمال الكتابية, وفى الركن القصي تظاهرت بأني أبحث عن أحد الكتب, بجوار الناحية الأخرى للرف كان يقف هو, يتظاهر أيضا بترتيب المجلدات, قلت له أنى أبحث عن كتاب التكاثر اللاجنسى لكنى لم أجده, قال لي أن مثل هذه النوعية من الكتب يتم التخلص منها, شعرت باليأس, لكنه أخبرني بأنه قد يكون هناك حل, لكنه نصحني بألا أبالغ في التفاؤل, هي محاولة قد تنجح وقد تفشل, ألتفت نحو الجالس على الطاولة, لا يزال مشغول, لخص الأمر لي سريعا, هناك فتاة من رواد المكتبة, تعشق الكتب, فطنت لما يجرى الآن منذ زمن, قامت باستعارة بعض الكتب المهمة, ونسخت منها صورا ضوئية, لكن كيف لي أن أقابلها في مثل هذه الظروف؟, قال لي ستسقط منى ورقة بها العنوان, عليك أن تتقمص دور زبال .
الغرض من تخليق الأورك كان عقائديا, لجأت الأنظمة الحاكمة إلى ذلك لحماية نفسها من الداخل والخارج, الجيوش تهزم في المعارك, والأحزاب تهزم في الانتخابات, فمن يحافظ على النظام, الأورك كائن يثير الرعب ولا يخسر, سيمثل تهديدا مستمرا لمن يرغب في التمرد, الصدام مع البشر قد يأتي بنتيجة, لكن من يقدر أن يجزم بنتيجة الصدام مع الأورك؟. لكن المعضلة الأكبر التي واجهت المسئولين القدامى, ظهرت مع خروج أول أورك إلى حيز الوجود, حدث ذلك أمام أحد مناجم الفحم, علماء وعسكريون وقفوا ينظروا بفضول حذر إلى الحفرة التي سيخرج منها الكائن الجديد, حولهم مئات العمال يتطلعوا إلى رؤية صنعة أيديهم, بعضهم صنع دائرة حول الحفرة التي كانت تتصاعد منها أبخرة نتنة, ومدوا أيديهم لسحب الكيس المخاطي الذي يحوى الكائن بداخله, عندما أخرجوه من الحفرة سمعوا زمجرة هائلة, ويدان عملاقتان مزقتا الكيس اللين بعنف وسرعة, بدا الكائن كأسير يرغب في التحرر من سجنه بشدة, منظره أثار الرعب في نفوس كل من رأوه, العلماء لم يعبئوا بشكله المرعب وراحوا بطمأنينة يسجلوا ملحوظات أولية عن كل ما يحدث حولهم, لكن الكائن انتصب فجأة على قدميه, كان جائعا, أصدر خوارا تردد صداه طويلا في جوف المنجم, قبل أن ينقض على أقرب العمال إليه ويبقر بطنه ويلتهم أحشائه, حدث ذلك بسرعة فائقة, العمال هرعوا مبتعدين وهم في غاية الرعب, العسكريون شهروا أسلحتهم في وجه الكائن, العلماء غير معنيين إلا بتسجيل كل ما يجري, الكائن وقف هادئا بعد أن فرغ من طعامه, ثم أقعى على الرمال ومدد ساقيه وراح في نوم عميق, سجل العلماء أن الأورك يكون شرسا فقط عندما يكون جائعا, ومع مرور الأيام أجريت العديد من التجارب, أكدت أن الأورك لا يأكل إلا اللحم, كما أنه لديه القابلية لإدمان الثريد .
يتبع …