محمود عبد الغني يكتب .. لغة الأورك (الخط الفاصل بين التاريخ و الأسطورة )
ربما يكون ذلك حدث في العصر الثالث .
لكن ما أنا أثق به أنه حدث, والوصف الذي وصلني أنها كائنات حية متحركة, لم تزرع أو تصنع, وإنما تم تخليقها عن طريق خلط الطمي بالأحماض النووية, لم يكن استنساخا وإنما كان تخليقا . كنت قد خرجت متسللا من البار, الشارع كان منيرا بضوء خافت, كنت خائفا, ورحت أنظر حذرا إلى جانبي الطريق, لم تكن هناك طمأنينة كاملة, لكن لم يكن أمامي سوى العودة إلى المنزل, فكرت أن أجري, لكنى خفت أن أثير التوجس في هذه النفوس المرعبة, قررت فقط أن أسرع بخطوتي, الشارع كان خاليا مما زاد من رعبي, أنا أعلم أنهم موجودون حولي على الرغم من أنى لم أكن أراهم, كنت آملا أن ينتهي ذلك في يوم ما, والكثيرون مثلي كانوا يملكون نفس الأمل على الرغم من أنهم كانوا صامتين, ومنهم من لجأ إلى المهادنة ليتقى المخاطر . شعرت بخطوات تسير خلفي, لا هي مسرعة ولا هي بطيئة, فقط تتزامن مع إيقاع قدمي, هل هي محض أوهام رجل خائف أم هي حقيقة ؟, خشيت أن انظر خلفي فأقع في المصيدة, الخطوات المطاردة أخذت تقترب, كنت مرعوبا فرحت أمد خطاي, هل أجرى؟, هل علموا أنى أبحث عن شيء ما؟, ولمحت ظلا يمتد أمامي, أيقنت أنى المقصود من المطاردة, قررت أن أجرى, وكان قد تبقى على عمارتي بضعة أمتار,لم يهاجمني الظل بعد, هل ينتظر لحظة ما, أم يكتفي بإثارة الرعب في نفسي, حسمت القرار, رحت أجرى بكل ما أعطيت من سرعة, الأضواء الخافتة كانت توهمني بأن كل ذلك مجرد كابوس, لكن الرعب الكامن في النفس أعطى اليقين بأنه حقيقة, الظل راح يجرى خلفي أيضا, لن أنظر إلى الوراء, كان يقترب خطوة ويبتعد أخرى, باب بنايتي يقترب, أنفاسي تكاد تنقطع, لم تتبقى إلا خطوة, قفزتها مثل عداء اوليمبي, ألقيت بجسدي في مدخل البناية, كان الضوء شديدا بالداخل, وكنت بحكم التجربة أعرف أنهم لا يطيقوا النور, قفزت السلالم الثلاثة, وضعت قدمي داخل المصعد, ونظرت إلى البوابة, لمحت الظل واقفا في الشارع, ألقى على نظرة حقد ثم اختفى .
قرأت أن الأورك تم تخليقهم داخل المناجم المهجورة, وأوكلت هذه المهمة لعمال المناجم العاطلين في زمن الكساد الصناعي, وكانوا يحصلون على أجور مرتفعة خوفا من تمردهم, تم ذلك تحت إشراف عدد من الكيميائيين وعلماء الهندسة الوراثية المجلوبين من الخارج, ولم يتم الاستعانة بالعسكريين إلا في مراحل إنتاجهم النهائية, أضيف للأحماض النووية بعض الجينات الآدمية والحيوانية بنسب متفاوتة, والناتج كائن له جسد يشبه الآدميين, لكن بحجم أكبر, عظام وعضلات ضخمة, وبوجه مسخ يميل إلى اللون الرمادي, فم واسع بداخله أنياب طويلة, أنف صغير وحاد, أعين غائرة مظلمة مثل فتحات كهف ضيق وحادة النظر, وأذني نسناس متطور, الرأس صلعاء وضخمة, ولم يحدث أبدا أنه نبت بها شعر, فقط لحية شعثاء, كلهم كانت لهم لحى, وإن كانت تختلف من كائن إلى أخر في غزارتها, ولإيجاد حلا لمشكلة الشبه الشديد بينهم, تم وشم كل منهم برقم على ظهره يعرف به طالما أنه موجود في الطبيعة, وأخر ملحوظات ليلة الرعب هذه أنه على الرغم من كبر حجم الرأس إلا أن حجم المخ كان ضئيلا, لم يكن مطلوبا من هذه الكائنات أن تفكر, أو حتى تقوم بعمليات إرادية, بعض الخلايا العقلية لحفظ الأوامر وتنفيذها كانت تفي بالغرض, مما جعلني أجزم أن الأورك كانت كائنات مسيرة بامتياز, مثل أدمى مغيب .
يتبع …