مروحية «إنجينويتي» على سطح المريخ تثير فضولَ الباحثين

32

كشفت مروحيةإنجنيوِتي” Ingenuity الصغيرة التابعة لوكالة “ناسا”، والمسيَّرة على المريخ، عن غرائب علمية في أثناء

تحليقها في أجواء هذا الكوكب الأحمر. فخلال اندفاعها بسرعة صاروخية في الغلاف الجوي للكوكب، أثارت شفراتها أحيانًا

سُحُبًا غبارية أحاطت بها وصحبتها في طيرانها.

ووفقا لورقة علمية نشرها حديثا موقع “نيتشر”، فقد لاحظ الباحثون في عدة مقاطع فيديو لرحلات “إنجنيوتي” على ظهر

الكوكب، زوبعة من الغبار أسفل مراوح المركبة، حتى عندما بلغ ارتفاع المروحية عن سطح المريخ 5 أمتار. وهو ما يدل على

 

أن هذا الغبار يمكنه التصاعد والتنقل عبر الغلاف الجوي الرقيق للمريخ بسهولة أكبر مما اعتقد الباحثون سابقًا.

وتعقيبًا على ذلك،  قال مارك لِمُن، الباحث في علوم الكواكب من معهد علوم الفضاء في بولدر بولاية كولورادو الأميركية: “إنه لاكتشاف رائع”.

وبالأخذ في الاعتبار أن الغلاف الجوي للمريخ مليء بالغبار، فلا عجب أن تثير المروحية عاصفة منه في إقلاعها وهبوطها، تمامًا

كما تفعل المروحيات على الأرض حين تُدار في المناطق الصحراوية. وقد صمم الباحثون مروحية “إنجنيوتي” بحيث تتحمل هبوب

الكثير من الغبار من حولها عند الإقلاع والهبوط، بيد أن ما وجده الباحثون مذهلًا هو الطريقة التي تفاعَل بها الغبار مع

المروحية في أثناء طيرانها. ومن خلال مراقبة الكيفية التي تجتذب بها المروحية الغبارَ في أثرها وهي تحلِّق، يمكنهم

الوصول إلى فهم أعمق لديناميات الغلاف الجوي الرقيق الذي يميز المريخ، حيث تتشكل في كثير من الأحيان “دوامات غبارية”

شبيهة بالأعاصير، عندما تُسخِّن الشمس هواءَ الكوكب، وتبدأ رياح ما بعد الظهيرة في الهبوب.

ويصف جيم بل، الباحث في علوم الكواكب من جامعة ولاية أريزونا في مدينة تمبي الأمريكية، ما حدث مع المروحية المُسيّرة بقوله: “قد يسفر هذا عن تجارب علمية لم تكن في الحسبان”.

وتمثل مروحية “إنجنيوتي” “إثباتًا تقنيًّا”، على حد وصف وكالة ناسا، غايته هي إظهارُ إمكان التحليقِ في أجواء المريخ. ومن ثمّ،

يقول بريان جاكسون، عالِم الفيزياء المتخصص في دراسة غبار المريخ من جامعة بويز الحكومية في ولاية أيداهو الأمريكية:

“أي مستجدات علمية يمكن أن نستخلصها من هذه التجربة تُعَد مكسبًا إضافيًّا”.

سُحُب غبار غريبة

عَكَف باحثون في مجال علوم الفضاء وهواة معالجة الصور الملتقَطة في الفضاء على تحليل مقاطع الصور والفيديو التي أرسلتها المروحية، ونشرتها وكالة “ناسا” على الإنترنت.

جدير بالذكر أن مركبة “برسيفيرانس”Perseverance الجوالة، التابعة لوكالة ناسا، كانت قد حملت المروحية إلى سطح الكوكب

الأحمر في فبراير الماضي، حيث تمثلت مهمة “بيرسيفيرانس” في التجوال حول فوهة “جيزيرو” بالكوكب، لاستكشاف طبيعة

الصخور هناك، التي كانت يومًا ما جزءًا من بحيرة تليدة بتلك البقعة، بحثًا عن أدلة على حياة وُجدت على الكوكب سابقًا. وفي

إبريل الماضي، صارت “إنجنيوتي” أول مركبة قادرة على التحليق، بقوة الدفع الميكانيكي، على كوكب بخلاف الأرض. وقد قامت

بسبع رحلات على ظهر الكوكب حتى الآن.

 

الرحلة الثالثة

وقد أثارت “إنجينويتي” في أول رحلتين لها قدرًا لا بأس به من الغبار لدى تحليقها على ارتفاع تَراوَح بين 3 و5 أمتار فوق سطح

المريخ، لكنها لم تبتعد كثيرًا عن نقطة إقلاعها. ومن ثم، لم تكن ظاهرة سحابة الغبار جلية آنذاك. أما في الرحلة الثالثة، فقد

حلقت المروحية إلى ارتفاع 5 أمتار فوق سطح الكوكب، ثم حلقت لمسافة إضافية بعيدًا عن نقطة إقلاعها، وخلال ذلك أثارت

غبارًا من رقاع زاهية الألوان على سطح المريخ. وفي وصف هذه اللحظة التي حلقت فيها المركبة فوق هذه الرقاع، يقول

الباحث لِمُن:  “تصاعدت كمية أكبر كثيرًا من الغبار عندئذ”.

الغلاف الجوي

تلف شفرات مروحية “إنجينويتي” بسرعة 2400 دورة في الدقيقة، وهو معدل فائق، لكنه ضروري لتتمكن المروحية من التحليق في الغلاف الجوي للمريخ، الذي تضاهي كثافته 1% من كثافة الغلاف الجوي للأرض.

وقد كانت الرحلة الرابعة  التي انطلقت فيها “إنجنيوتي” في الثلاثين من إبريل الماضي هي أكثر ما أثار فضول الباحثين. ففي

مقطع فيديو سجلته مركبة “برسيفيرانس” الجوالة من موقع مميز بالقرب من المروحية، تختفي “إنجينويتي” من المشهد،

لتظهر مجددًا محاطة بسحابة غبار هائلة، بعد رحلة قطعت فيها حوالي 133 مترًا.

ويؤكد مقطع الفيديو ذاك أن “إنجنيوتي” حلقت مع رياح الكوكب التي بلغت سرعتها 3.5 متر في الثانية، وذلك حسب ما أفاد به

هافارد جريب، المسؤول الأول عن تسيير المروحية بمختبر الدفع النفاث بمدينة باسادينا بولاية كاليفورنيا الأمريكية، الذي أضاف

قائلًا: “كان الغبار محمولًا تحت المروحية”.

ويعتزم الباحث لِمُن أن يقارن الآثار التي خلفتها “الدوامات الغبارية” الطبيعية على سطح المريخ بتلك التي تكوَّنت في الموقع

الذي أثارت به المروحية القدر الأكبر من الغبار. وهذا سيُعين الباحثين على الوقوف بصورة أفضل على الكيفية التي تؤدي بها

هبات الرياح على المريخ إلى حمل الغبار وإثارة زوابع منه في دوامات غبارية. وفي ذلك الصدد، يقول جاكسون إن الغلاف الجوي

للكوكب يتسم بكثافة ضئيلة للغاية، إلى حد وجد العلماء معه صعوبة في تفسير الكيفية التي تَصاعَد بها هذا القدر الكبير من

الغبار. وأضاف قائلًا: “نحتاج أن نفهم الخطوة الأولى في تلك العملية”.

أما في الرحلة السادسة لـ”إنجينويتي”، في الثاني والعشرين من مايو، فقد واجهت المروحية بعض الصعوبات، إذ بدأت في

الترنح بسبب خلل في النظام الملاحي الخاص بها، لكنها تمكنت من الهبوط بسلام. وفي رحلتها السابعة، يوم الثامن من يونيو،

حلقت على ارتفاع 106 أمتار، دون عقبات.

ويقول جريب إن المروحية برهنت بنجاح كبير على إمكانية التحليق في عوالم أخرى. وفي المستقبل، قد تتمكن مروحيات أكبر

من قَطْع مسافات أبعد، واستكشاف مناطق لا يمكن اجتيازها بالمركبات المتنقلة بعَجَلات. ويضيف جريب قائلًا: “من الواضح – بلا

شك – أن هذه الطريقة يمكن استخدامها لاستكشاف المريخ”.

ويُرتقب أن تصحب “إنجنيوتي” مركبة “برسيفيرانس” عندما تبدأ الأخيرة في التوجه جنوب نقطة هبوطها، إذ يرجح أن المروحية

ستنطلق من الآن في رحلات إضافية، مرة كل أسبوعين، أو نحو ذلك، حتى نهاية أغسطس، وهو الموعد المتوقع لانتهاء

عمليات مروحية “إنجينويتي”.

وقد ركزت المركبة الجوالة “بيرسيفيرانس” على استكشاف الصخور التي تُكَوِّن قاع البحيرة التليدة في “فوهة جيزيرو”. وتعكف

حاليًّا فِرَق من الباحثين على تحديد النقاط التي ستحفرها المركبة الجوالة لاستخراج أولى العينات الجيولوجية من الكوكب، إما

من الصخرة المحطمة التي تشكل قاع الفوهة، أو من منطقة تعلوها الكثبان على مقربة من تلك النقطة. وستكون هذه

العينة الأولى في سلسلة من عينات ألباب الصخور التي تجمعها المركبات الفضائية مستقبلًا، وتحملها عائدة إلى الأرض، في

سابقةٍ لاجتلاب عينات من المريخ.