من هو عدوك و ما هي معركتك الحقيقية؟

 اكتشف من الذي تواجهه حقا

10

هل هناك شيء أو شخص محزن أو مخيف أو مقلق بحد ذاته؟ هل يمكن اعتبار أن تلك الغرفة حزينة؟ هل  اللون الأسود محزن؟ هل يمكن اعتبار أن ذلك المقعد مثلا، مخيف؟ لماذا نخاف الظلام كثيرا؟ هل ورقة الامتحان مقلقة؟ أو أن شخص ما، مقلق أو مريب؟

العقل وربط الأشياء

كلمة عقل بحد ذاتها تعني الربط، يعقل تعني يربط، والعقل هنا يمكن تعريفه على أنه عملية ربط الأشياء ببعضها. ودائما ما يتم الربط في التجارب الأولى. فعلى سبيل المثال، عندما تقابل شخص ما ثم تتلقى خبرا يبعث على الحزن، يبدأ عقلك في ربط ذلك الشخص بمشاعر الحزن، فإذا تكرر وجود ذلك الشخص مع حدث آخر مسبب لنفس الشعور، أصبح لديك رابطا واضحا بين ذلك الشخص وشعورك بالحزن، ليتطور إلى معتقد أو برمجة تجعل ذلك الشخص يعني الحزن بالنسبة لك،  تماما كما ارتباط اللون الأسود بالحزن عند البعض.   يمكن تطبيق ذلك المثال في الربط على أي شعور آخر.  ولكن دعنا نتعرف أكثر على أول وأوضح شعور.

شعور الحزن

يعتبر الحزن هو أول شعور واضح منذ بداية رحلتك، وأساس هذا الشعور هو الفقد. تأمل الطفل عند ولادته، ستجد أن أول بكاء له يكون بسبب “فقده” للبيئة الآمنة التي كان يعيش فيها داخل الرحم. وعندما تحمله أمه يبدأ في استعادة مشاعر الأمان مرة أخرى ، لكن صدمته الاولى تلك تجعله يبكي في كل مرة يبتعد فيها عن أمه ، ثم تبدأ رحلته في التعامل مع الفقد في كل مرة بشعور الحزن ودرجاته.. الفقد بحد ذاته ليس إلا حالة انفصال، أنت من تشعر بالخوف من هذا الانفصال ، ومن كل انفصال، بسبب صدمتك الأولى فتحزن، ولو أنك نظرت للفقد من جهة أخرى ، فإن الفقد في حد ذاته قد يكون شيء يبعث على السعادة إذا فقدت ما يؤلمك.

شعور الخوف

فلان المرعب بالنسبة لك قد يكون لطيفا جدا مع غيرك ، بل أنه لن يكون مخيفا معك أنت شخصيا إذا فعل ما يجعلك تثق به أو إذا اكتشفت أنه غير مؤذي .. أنت تنظر إلى ثعبان فتخاف ثم يتبين لك أنه بلاستيكي فيزول الخوف فورا رغم أنه لازال موجودا امامك ! أنت لا تخاف الشيء ، أنت تخاف مما يمكن أن يفعله بك ، ما “تتوقع” أن يفعله بك ، لذلك أنت الذي  تشعر بالخوف تجاهه وليس الشيء هو المخيف…

شعور القلق

لعلك الآن قد تأكدت أن مشاعر الحزن والخوف هي التي تتصارع بداخلك ولا وجود لها إلا بعقلك أنت. وأنه  لا يمكنك وصف شيء أو شخص أنه محزن أو مخيف. كذلك الحال  مع شعور القلق من ورقة الامتحان، سواءا كان امتحانا أم اختبارا، اعرف الفرق من هنا، فالامتحان أو الاختبار، كلاهما ليس مقلقا بحد ذاته، بل إنهما ليسا إلا فرصا لقياس مهاراتك ومدى جودتها. أنت من تشعر بالقلق من النتيجة بسبب خوفك من العواقب، بناءا على خبراتك المماثلة السابقة.

ماذا عن الآخرين ؟

حسنا! لعلك الآن قد تتساءل: ماذا لو أن الآخرين يشعرون بنفس الشعور تجاه نفس الأشخاص والأشياء ؟ كيف تكون بعقلي أنا وهناك من “يتفق” معي على نفس الشيء أو نفس الشخص؟ وهذا يدخلنا فورا  على سؤال، لماذا نبحث دوما عن التأييد؟ لماذا “مهم” أن يتفق معي آخرون؟ ولماذا لا يحتاج البعض إلى التأييد؟ بماذا أشعر عند اتفاق الآخرين معي على شيء أو شخص ما؟ ربما من المفيد أن تبدأ في طرح تلك الأسئلة على نفسك لتكتشف  الجانب الآخر في كل مرة تسأل فيها نفسك عن تلك الأشياء فخلال بحثك عمن يتفق، ستجد على الجانب الآخر من يختلف ، وكلا الجانبين على صواب فيما يرونه..

من الذي تواجهه حقا؟

لعلك الآن أدركت أنه ليس هناك شخص أو شيء حزين أو مخيف أو مقلق. لو عدت إلى الفقرة الثالثة من هذا المقال، ستجد أن الخبر الذي يبعث على الحزن، في مثال الربط بين شخص وشعورك بالحزن، لا يمكن اعتباره خبرا حزينا،  حيث إن الخبر بحد ذاته هو مجرد خبر ، إنما استقبالك له هو ما يصبغه بشعورك وقت الاستقبال بناءا على خبراتك أنت.  الخبر في حد ذاته لا يبعث على الحزن أو الفرح. فما يحزنك قد يفرح غيرك والعكس صحيح .لذلك شعورك بالحزن هنا هو اختيارك وقرارك أنت. أنت لا تواجه الأشياء والأشخاص، إنها مخاوفك هي التي تواجهها في كل مرة، ومخاوفك هي التي تجعلك  “تحكم” على شيء أو شخص أنه كذلك، ومن تلك الأحكام،  تصل إلى “وجهة نظر” عنهم، ثم “تتوقع” السلوك الصادر منهم، و كنتيجة حتمية، وبعد معطيات الحكم ووجهة النظر والتوقع،  يكمل عقلك الصورة للحدث بأكمله.

للمزيد قم بزيارة قناتي على اليوتيوب للاستماع إلى حلقات بودكاست ترميم مهارات اللغة

YouTube player