نادية صبرة تكتب .. الأردن لماذا الآن؟
شهد الأردن الشقيق مطلع الأسبوع المنقضى أحداث ساخنة بدءت وإنتهت في تقديري في ليلة واحدة هي ليلة السبت الثالث من إبريل.. وأثبتت بالدليل القاطع أن الأردن لديه جيش قوى وأجهزة أمنية فعالة وجهاز إستخبارات لا يتصرف إلا بناءاً على معلومات هامة تم رصدها والتحرك في الوقت المناسب قبل أن تتحول إلى عمل على الأرض..
الرواية الرسمية الأردنية تحدثت عن إعتقالات مختصرة لشخص يدعى (الشريف حسن بن زيد) وهو غير ناشط في الحياة السياسية الأردنية وغير معروف لدى الشارع الأردني ومعظم إقامته خارج البلاد وكذلك رئيس الديوان الملكي السابق (باسم عوض الله) وهو رجل مشكوك فيه وحوله العديد من شبهات الفساد وأربعة عشر شخصاً آخرين.
ولكن كان الإسم المُلفت في هذه القضية غير المسبوقة هو إسم ولي العهد السابق (الأمير حمزة بن الحسين) حيث أكد وزير الخارجية الأردني (أيمن الصفدي) أنه تم رصد إتصالات لهؤلاء بما فيهم الأمير مع جهات خارجية الهدف منها محاولة زعزعة أمن وإستقرار المملكة.. ولم يذكر البيان من هي الجهات الخارجية المتورطة في المخططات المشبوهة على الأردن الشقيق وهل هم أفراد؟ أم كيانات؟ وبإعتقادي أن هذا ما سوف تفصح عنه التحقيقات..
ولكن إستوقفتني كلمة جاءت في البيان المكتوب لجلالة الملك (عبد الله الثاني) الذي تم إذاعته يوم الأربعاء الماضي تعليقاً على الأحداث حيث قال الملك (إن الأردن يدفع ثمن مواقفه) وهي جملة تختصر كل شيء ولها مدلولات عديدة وإشارات ضمنية إلى الجهة التي من مصلحتها أن يكون هناك فوضى سياسية في البلاد..
إن ما حدث بإختصار هو محاولة ومخطط مرسوم للتأثير على الاستقرار السياسي للدولة الأردنية ولا أحد من مصلحته زعزعة الاستقرار في أي بلد عربي ولا سيما الأردن سوى إسرائيل.. إن أحد الأهداف الإسرائيلية هي إحداث فوضى عارمة وصولاً إلى تقسيم الأردن إلى دولة أردنية وأخرى فلسطينية وهو ما ينادى به اليمين المتطرف داخل إسرائيل وطالبوا به في الإنتخابات الأخيرة ويرفضه الأردن بل ويرفضه الفلسطينيون أنفسهم الذين لن يتنازلوا عن دولة على حدود أراضيهم الفلسطينية.
والواقع أنه لا أحد يستطيع إيقاف الأطماع الإسرائيلية ولكن الأردن إستطاع برفضه تمديد عقد إنتفاع إسرائيل بمنطقتي الباقورة والغمر اللتان توصفان بأنهما كنز إقتصادي وأصر العاهل الأردني على فرض سيادة الأردن عليهم موجهاً صفعة لرئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) حيث كان يُمنى نفسه بالتمديد بأي ثمن.. كما رفض التنازل عن وصاية الأردن على المقدسات الإسلامية في القدس.. كما تصدى في عهد (ترامب) لمخططات تصفية القضية الفلسطينية برفضه تمرير صفقة القرن.. وقد حاولت إسرائيل تهميش الأردن وعمل علاقات مباشرة مع دول الخليج حتى لا يلعب دوراً محورياً في القضية الفلسطينية ولكن مع مجيء إدارة (بايدن) عادت علاقات الأردن للواجهة وتم توقيع إتفاقية دفاعية بين الولايات المتحدة والأردن سيتم بموجبها إنشاء قواعد عسكرية أمريكية..
إن المتتبع للعلاقات الأردنية الإسرائيلية يلحظ بوضوح أن السلام بين البلدين أصبح بارداً وهو ما يعني أن هناك توتر وأزمة سياسية تحت السطح وقد رفضت إسرائيل مؤخراً زيارة كان من المقرر أن يقوم بها ولي العهد الأردني الأمير (الحسين بن عبد الله) للقدس الشريف في مناسبة الإسراء والمعراج وردت الأردن برفض مرور طائرة رئيس الوزراء الإسرائيلي من الأجواء الأردنية في طريقه لدولة الإمارات وهو ما أدى إلى إلغاء الزيارة..
كما تقدم الأردن بطلب بشأن تزويده بإمدادات إضافية من المياه من إسرائيل ولم يتم الرد عليه بشكل رسمي حتى الآن.
ورغم أن الأردن يعيش في قلب الأزمات ويشهد حالات لإختراقه عبر الحدود السورية الأردنية من قبل حركات إرهابية إلا أنه إستطاع الصمود وأن ينعم بأمن وإستقرار طيلة السنوات الماضية رغم الدماء التي سالت في الوطن العربي والصراعات التي كانت وما زالت تشهدها المنطقة..
وقد أظهرت الأحداث مدى الإهتمام الدولي بالموقع الجيوسياسي للأردن فقد توالت رسائل الدعم والتضامن العربية والإقليمية والدولية وكان هناك إجماع دولي ومصلحة قومية عربية في ضمان استقرار الأردن فهو محور أساسي في المنطقة ومن مصلحة الجميع أن يكون هادئ مستقر حيث أنه لا يمكن إحداث أي تقدم في عملية السلام بدون استقرار ومساهمة الأردن فهو قاسم مشترك وعلاقاته مميزة مع دول الخليج وتركيا وإيران والمغرب ومصر ويقف على مسافة واحدة من الجميع.
نعم هو يعاني ظروفاً إقتصادية صعبة بسبب الكورونا والبطالة وموارده المحدودة إضافة إلى أن لديه مليون و300 الف لاجئ سوري ولكن هناك محاولات حثيثة من الدولة الأردنية لمحاربة الفساد ومواجهة المشاكل الإقتصادية.
وقد إستطاع جلالة الملك (عبد الله الثاني) بذكاؤه المعهود وقيادته الرشيدة أن يفتح قلبه للأردنيين ويبعث برسالة طمأنة للداخل الأردني بأن الأزمة تم تجاوزها حين قال (الفتنة تم وأدها) وهو ما يعني أن المؤسسات الأردنية تمكنت من إيصال البلد إلى بر الأمان.. وأيضاً بعث برسالة للخارج ولكل من تسول له نفسه التدخل في الشئون الداخلية الأردنية ولأول مرة تحدث عن أن الفتنة كانت من داخل البيت وخارجه وقد استخدم مصطلح فتنة ولم يقول أزمة أو محنة لأنها مصطلح مخفف ينسجم مع الحدث كما أن الفتنة معناها معلومات مضللة وأصحاب النوايا الحسنة من داخل البيت يمكن تضليلهم.
وقد لوحظ أن الملك لم يخرج صوت وصورة بل كان البيان مكتوباً حتى يعطي الموضوع حجمه الطبيعي وإستطاع إجمال المشهد من الناحية السياسية والوجدانية حيث وصف مشاعره بالمؤلمة تجاه هذه القضية وأعطى دفعة معنوية لكل الأردنيين في رسالة تحمل الود والطمأنينة وتحدث بلا حرج فيما يخص (الأمير حمزة) حيث كان قراره الحكيم والمُوفق بإحتواء الأزمة في إطار العائلة الهاشمية.. وبذلك يكون قد أجاب على تساؤلات الأردنيين بمنتهى العقلانية والرشد والقيادة التي لا تسفك دماء الأردنيين بل تلجأ للحوار فالأردن دولة متوازنة يحكمها سياسة القانون والمؤسسات القوية القادرة على العبور بالأردن واستكمال مسيرة البناء والتنمية حيث باتت هذه الأحداث وراء الأردن بشكل قاطع.
وهناك إلتفاف من الشعب الأردني حول مؤسسة العرش صمام الأمان فالأسرة الهاشمية لم يحدث بها خلافات من قبل وتماسكها هو ضمان استقرار الأردن الشقيق وختاماً لك يا أردن الأحرار سلاماً دائماً بإذن الله.