نص كلمة الوزير بلينكن في مجلس الأمن الدولي حول تعددية الأطراف

10

بوابة “من أمريكا “الإخبارية تنشر نص كلمة الوزير بلينكن في مجلس الأمن الدولي حول تعددية الأطراف ، وفيما يلي الكلمة حسبما وردتنا من وزارة الخارجية

 

بلينكن: حسنا، طاب صباحكم، طاب مساؤكم، طابت ليلتكم. اسمحوا لي أن أبدأ بتوجيه الشكر إلى الصين ووزير الخارجية وانغ على بدء هذه المناقشة الحاسمة بشأن مستقبل الأمم المتحدة والنظام الدولي. وشكرا أيضًا لكم معالي رئيس الجمعية العامة بوزكير على قيادتكم.

فعندما اجتمعت الدول معا بعد الحرب العالمية الثانية لتشكيل الأمم المتحدة، كان كل تاريخ البشرية تقريبا حتى ذلك الحين يشير إلى أن القوة هي الصواب. وقد أدت المنافسة حتما إلى التصادم. واستلزم صعود دولة أو مجموعة من الدول سقوط دول أخرى.

ثم اتحدت دولنا في اختيار طريق مختلف. وتبنينا مجموعة من المبادئ لمنع الصراعات وتخفيف المعاناة الإنسانية؛ والاعتراف بحقوق الإنسان والدفاع عنها؛ وتعزيز حوار مستمر لدعم وتحسين نظام يهدف إلى إفادة جميع الناس.

وألزمت البلدان الأقوى نفسها بهذه المبادئ. واتفقت على شكل من أشكال ضبط النفس – على حد تعبير الرئيس ترومان، لكبح نفسها عن القيام بما يعجبها دائما – لأنها أدركت أن هذا لن يخدم في نهاية المطاف مصالح البشرية فحسب، بل ومصلحتها أيضا. وقد فعلت الولايات المتحدة ذلك، على الرغم من أنها كانت إلى حد بعيد أقوى دولة على وجه الأرض في ذلك الحين. لقد كانت مصلحة ذاتية مستنيرة. فقد كنا نؤمن بأن نجاح الدول الأخرى كان مهما بالنسبة لنا. ولم نكن نريد أن تشعر الدول الأقل قوة بالتهديد والاضطرار إلى التكاتف ضدنا.

وفي السنوات التي تلت ذلك، واجهنا تحديات هائلة، من انقسامات الحرب الباردة، وبقايا الاستعمار، والأوقات التي وقف فيها العالم في وجه الفظائع الجماعية. واليوم، تؤكد الصراعات والظلم والمعاناة في جميع أنحاء العالم على كم التطلعات التي لم تتحقق بعد.

ولكن لم تكن أي فترة في التاريخ الحديث أكثر سلاما أو ازدهارا من تلك التي كانت عليها منذ إنشاء الأمم المتحدة. لقد تجنبنا نشوب الصراعات المسلحة بين القوى النووية. وساعدنا ملايين الناس على الخروج من دائرة الفقر. ونهضنا بحقوق الإنسان أكثر من أي وقت مضى.

وقد كان هذا المسعى الجريء، مهما كانت عيوبه، إنجازا لم يسبق له مثيل. وقد صمد لأن الغالبية العظمى من الشعوب والأمم لا تزال ترى أنه يمثل مصالحها وقيمها وآمالها.

ولكنه الآن أصبح في خطر شديد.

فالقومية تعاود الظهور، والقمع آخذ في التصاعد، والمنافسات بين البلدان تتعمق والهجمات ضد النظام القائم على القواعد تزداد حدة. والآن يتساءل البعض عما إذا كان التعاون المتعدد الأطراف لا يزال ممكنا.

والولايات المتحدة تعتقد أن ذلك ليس ممكنا فحسب، بل إنه أمر حتمي.

إذ لا تزال تعددية الأطراف أفضل أداة لدينا للتصدي للتحديات العالمية الكبرى – مثل تلك التي تجبرنا على التجمع على شاشة اليوم بدلا من أن نجتمع حول الطاولة. لقد غير وباء كوفيد-19 الحياة كما نعرفها في جميع أنحاء الكوكب، حيث تسبب في ملايين الوفيات والآثار المدمرة وأثر على الاقتصادات والصحة والتعليم والتقدم الاجتماعي.

وتشكل أزمة المناخ تهديدا هائلا آخر. فإذا لم نتحرك بسرعة لخفض الانبعاثات، فستكون النتائج كارثية.

لقد بنينا النظام المتعدد الأطراف جزئيا لحل مشاكل كبيرة ومعقدة كهذه، حيث ترتبط مصائر الناس في جميع أنحاء العالم معا وحيث لا يمكن لأي بلد بمفرده – مهما بلغت قوته – أن يتصدى للتحديات بمفرده.

لهذا السبب ستعمل الولايات المتحدة من خلال المؤسسات المتعددة الأطراف لوقف جائحة كوفيد19 ومعالجة أزمة المناخ، وسنلتزم بالمبادئ الأساسية للنظام الدولي كما نفعل دائمًا.

وسنعمل أيضًا مع أي دولة بشأن هذه القضايا – بما في ذلك تلك الدول التي لدينا خلافات جدية معها. إن المخاطر أكبر من أن ندع الخلافات تقف عائقا في طريق تعاوننا. والأمر نفسه ينطبق على وقف انتشار واستخدام الأسلحة النووية، وتقديم المساعدات الإنسانية المنقذة للأرواح، وإدارة الصراعات الفتاكة.

في الوقت نفسه، سنواصل الرد بقوة عندما نرى دولًا تقوض النظام الدولي، أو تتظاهر بأن القواعد التي اتفقنا جميعًا عليها ليست موجودة، أو ببساطة تنتهكها كما يحلو لها. لأنه لكي يحقق النظام أهدافه، يجب على جميع البلدان الالتزام به والعمل من أجل نجاحه.

وهناك ثلاث طرق يمكننا من خلالها القيام بذلك.

أولا، يجب على جميع الأعضاء الوفاء بالتزاماتهم- لا سيما الالتزامات المُلزِمة قانونًا. ويشمل ذلك ميثاق الأمم المتحدة والمعاهدات والاتفاقيات وقرارات مجلس الأمن الدولي والقانون الإنساني الدولي والقواعد والمعايير المتفق عليها تحت رعاية منظمة التجارة العالمية والعديد من المنظمات الدولية المعنية بوضع المعايير.

واسمحوا لي أن أكون واضحًا– الولايات المتحدة لا تسعى لدعم هذا النظام القائم على القواعد لإبقاء الدول الأخرى في حالة تخلف. فالنظام الدولي الذي ساعدنا في بنائه والدفاع عنه مكّن من صعود بعض من أشرس منافسينا. إن هدفنا ببساطة هو الدفاع عن هذا النظام ودعمه وتنشيطه.

ثانيا، يجب أن تظل حقوق الإنسان وكرامته في صميم النظام الدولي. فالوحدة التأسيسية للأمم المتحدة- من الجملة الأولى من الميثاق- ليست الدولة القومية فقط. إنه أيضًا الإنسان. والبعض يجادل بأن ما تفعله الحكومات داخل حدودها هو شأن خاص بها، وأن حقوق الإنسان هي قيم ذاتية تختلف من مجتمع إلى آخر. لكن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يبدأ بكلمة ’عالمي‘ لأن دولنا وافقت على أن هناك حقوقًا معينة يستحقها كل شخص في كل مكان. إن تأكيد نطاق اختصاص السلطة المحلية لا يمنح أي دولة صكًا على بياض لاستعباد أو تعذيب أو إخفاء أفراد شعبها أو ممارسة التطهير العرقي لهم أو انتهاك حقوق الإنسان الخاصة بهم بأي طريقة أخرى.

وهذا يقودني إلى نقطتي الثالثة، وهي أن الأمم المتحدة تقوم على مبدأ المساواة في السيادة بين دولها الأعضاء.

لا تحترم دولة ما هذا المبدأ عندما تهدف إلى إعادة رسم حدود دولة أخرى؛ أو تسعى إلى حل النزاعات الإقليمية باستخدام القوة أو التهديد بها؛ أو عندما تدعي دولة ما أنها مستحقة لمجال نفوذ لإملاء أو إجبار اختيارات وقرارات بلد آخر. وتُظهر الدولة ازدراءً لهذا المبدأ عندما تستهدف دولة أخرى بالمعلومات المضللة أو بالفساد المسلح، أو تقوض الانتخابات الحرة والنزيهة والمؤسسات الديمقراطية في البلدان الأخرى، أو تلاحق الصحفيين أو المعارضين في الخارج.

كما أن هذه الأعمال العدائية يمكن أن تهدد السلم والأمن الدوليين اللذين يُلزم ميثاق الأمم المتحدة هذه الهيئة بالحفاظ عليهما.

عندما تنتهك الدول الأعضاء في الأمم المتحدة- ولا سيما الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن- هذه القواعد وتعرقل محاولات محاسبة أولئك الذين ينتهكون القانون الدولي، فإن ذلك يرسل رسالة مفادها أنه يمكن للآخرين انتهاك هذه القواعد والإفلات من العقاب.

يجب علينا جميعًا أن نقبل التدقيق، مهما كان صعبًا، والذي يأتي مع الالتزامات التي قطعناها على أنفسنا بحرية. وهذا يشمل الولايات المتحدة.

إنني أعلم أن بعض أفعالنا في السنوات الأخيرة قوضت النظام القائم على القواعد ودفعت آخرين للتساؤل عما إذا كنا لا نزال ملتزمين به. بدلا من الأخذ بكلامنا كما هو، نطلب من العالم أن يحكم على التزامنا من خلال أفعالنا.

تحت إدارة بايدن-هاريس أعادت الولايات المتحدة بالفعل مشاركتها بقوة في المؤسسات متعددة الأطراف. فقد أعدنا انضمامنا إلى اتفاقية باريس للمناخ، وأعدنا التزامنا بمنظمة الصحة العالمية، كما إننا نسعى إلى العودة للانضمام إلى مجلس حقوق الإنسان.

وإننا نشارك بالسبل الدبلوماسية من أجل العودة إلى الامتثال المتبادل لخطة العمل الشاملة المشتركة لتعزيز منع انتشار الأسلحة النووية. إننا حتى الآن أكبر مساهم في مبادرة كوفاكس، وهي أفضل أداة للتوزيع العادل والمنصف للقاحات المضادة لفيروس كوفيد-19، كما أننا نصنّع عشرات الملايين من الجرعات بحيث تكون متاحة للآخرين بدون أي اعتبارات سياسية.

كما أننا نتخذ أيضًا خطوات بكل صبر وهدوء، لمواجهة الإجحاف والظلم في ديمقراطيتنا نحن. وإننا نفعل ذلك بصراحة وشفافية ليراها الناس في جميع أرجاء العالم، حتى حين يكون الأمر قبيحًا، وحتى عندما يكون مؤلمًا. وسنخرج أقوى وأفضل لأننا نفعل ذلك.

وبالمثل، فإنه لا يكفي مجرد الدفاع عن القواعد التي لدينا الآن. وإنما ينبغي علينا أن نطورها ونبني عليها. إننا نحتاج لأن نأخذ في الاعتبار التغير في ديناميات القوة الذي حدث على مدى العقود الثمانية الماضية، ليس فقط فيما بين الدول، وإنما أيضا بداخلها. إننا نحتاج لأن نواجه المظالم المشروعة – خاصة ما يتعلق بالممارسات التجارية غير العادلة- التي أثارت رد فعل عنيف ضد نظام دولي مالي مفتوح في دول عديدة، ومن بينها الولايات المتحدة. وينبغي علينا أن نضمن أن ذلك النظام مجهز بحيث يستطيع مواجهة أي مشكلات جديدة- مثل المخاوف المتعلقة بالأمن القومي وحقوق الإنسان التي أثارتها التقنيات الجديدة، من الهجمات السيبرانية إلى مراقبة الخوارزميات التمييزية (الأخطاء النظامية في نظم الحاسوب التي تؤدي إلى نتائج غير عادلة)

وأخيرًا، نحتاج إلى تحديث السبل التي نبني بها التحالفات، ومن الذي نشمله في جهودنا الدبلوماسية والتنموية. وهذا يعني صياغة علاقات شراكة غير تقليدية عبر الخطوط الإقليمية، بحيث يتم الجمع بين المدن، والقطاع الخاص، والمؤسسات، والمجتمع المدني، والحركات الاجتماعية والشبابية.

ويجب علينا تعزيز المساواة داخل بلداننا وفيما بينها، وأن نسد الفجوات الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية الموجودة بناء على العرق أو الجنس، أو أي جزء آخر من هويتنا مما يجعلنا من نكون.

حينما كان يجري تشكيل هذه المؤسسة، قال الرئيس ترومان: إن هذا الميثاق لم يكن حصاد عمل أي دولة واحدة أو مجموعة من الأمم، سواء كانت صغيرة أو كبيرة. إنما كان نتاج روح الأخذ والعطاء، وتقبل وجهات نظر ومصالح الآخرين.” وأضاف أنه كان دليلًا على أن الدول يمكن أن تعلن عن خلافاتها، وتواجهها، وتجد أرضية مشتركة تستطيع أن تقف عليها.

وما زالت هناك اختلافات كبيرة – بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وفي المجلس. لكن الولايات المتحدة لن تدخر جهدًا لكي تجد وتقف على الأرضية المشتركة مع أي دولة تتمسك بتعهداتها تجاه النظام الذي أسسناه معًا، والذي يجب علينا أن ندافع عنه وننشطه معًا.

هذا هو الاختبار الكبير في اللحظة الراهنة. فلنواجهه معًا.

شكرًا لكم.