يا ناقتي… أتبصرينَ ظلَّ فارسي؟.. بقلم: ياسمين عبد السلام هرموش

10

جاءتِ البدويّةُ تتهادى على مَهَلٍ،
كأنّ رملَ البيداءِ يحملُ خُطاها في صمتٍ خفيّ،
وتهبطُ نحو ناقتها في هدأةِ الفجر،
ووشاحُها الأسودُ يخفقُ على كتفيها
خَفْقَ جناحٍ يأبى المهانة،
كرايةِ قومٍ لم تُدنَّسْها الهزيمةُ في يومٍ جريءٍ أبيّ.

وإذا مالَ الوشاحُ، انكشفَ محيّا
تلمعُ نُضرةُ الخدِّ كقَطْرِ غيمٍ نديّ،
ولشفاهِها بريقُ رُطبٍ جنيّ،
وعيناها شاردتان كسكونِ ليلٍ خمدتْ رياحُه،
وقوامُها مستقيمٌ كسيفِ فارسٍ لا يَنثني لدهرٍ عصيّ.

وأقراطُها تهتزُّ مع كلِّ نبضٍ من خافقِها،
فتهتفُ كرنينِ شاعرٍ رفَعَ بيتَ عشقٍ
على وتَرٍ لا يخبو صداه.

ثم قالت، والشوقُ يخنقُ صوتَها الشجيّ:
“يا ناقتي… أكلَّ البُعدُ روحي؟
وغابَ الفارسُ الذي بهِ تعتزّ خُطوتي
ويأنسُ قلبي الخليّ؟

ومنذُ غاب،
والليلُ يفترسُ أنفاسي،
والوَسَنُ يأبَى أن يَدنوَ من حافّةِ الجفن.”

فأحنَتِ الناقةُ رأسَها،
وهزّتِ الرملَ بخُفّها هزّةَ عهدٍ قديم،
كأنّها تُقسِمُ أنَّ الفارسَ عائدٌ،
ولو أطبقتِ الأرضُ أبوابَها،
وغيَّرتِ الأفلاكُ مسارَها،
وأشرقتِ الشمسُ من غربِها،
فما بينَ قلبِها وقلبِه
إلّا قِيراطُ حبٍّ
لا يُطفئُه البُعدُ
ولا تنقضُه المسافات.