محمود دسوقي يكتب: انتصار روسي على أوكرانيا وأمريكا والغرب
دخلت أوكرانيا في حرب مفتوحة مع روسيا قاربت على 4 سنوات منذ انطلاق شرارتها الأولى في 24 فبراير 2022 بدعم أمريكي وأوروبي كبير، حصلت بموجبه كييف على مساعدات عسكرية وإنسانية تجاوزت 175 مليار دولار أمريكي، إلى جانب وعود من واشنطن بالوقوف إلى جانب كييف حتى إعلان النصر على روسيا.
لم تكن أوكرانيا راغبة يومًا بالخوض في حرب مفتوحة مع روسيا صاحبة المركز الثاني في تصنيف جلوبال فاير باور لعام 2025 لقائمة أقوى جيوش العالم وصاحبة أكبر ترسانة نووية على مستوى العالم، إلا أن الخطة الأمريكية بشأن روسيا والتي لاقت دعمًا وتأييدًا غربيًا وتسرّعت أوكرانيا في قبولها وفقًا لمغريات اقتصادية وعسكرية ونووية، رُسمت على أساس توريط أوكرانيا في حرب مفتوحة مع روسيا كمحاولة لهزيمة الإتحاد الروسي أو على أقل تقدير تحجيم نفوذه.
ومن هنا بدأ الإيعاز الأمريكي لأوكرانيا بضرورة التقدم رسميًا بطلب الحصول على عضوية حلف شمال الأطلسي وهو ما رفضته روسيا جملة وتفصيلاً باعتباره تهديدًا وجوديًا لها أن تنتشر على حدودها قوات لأكبر حلف عسكري على مستوى العالم ووضعها في موقع الحصار وإجبارها على الرضوخ للإملاءات الأمريكية والغربية في مختلف الملفات الاقتصادية والعسكرية وحتى البحثية العلمية.
القبول الأوكراني والمباركة الغربية على الخطة الأمريكية ضد روسيا؛ جعل الرد فوريًا وحاسمًا وبادرت موسكو بتوجيه ضربات عسكرية موجعة لأوكرانيا تسببت في تفكيك معظم جيشها وانهيار اقتصادها واحتلال عدة مدن من أراضيها منها خيرسون وماريوبول ودونيتسك وكوبيانسك وزاباروجيا وسومي ولوزوفسك ليصبح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مواجهة أكبر هزيمة تعرضت لها البلاد متسولاً الدعم الأمريكي والأوروبي الذي بات مترنحًا في مواجهة روسيا.
ولم تكتفي أمريكا بتوريط أوكرانيا في حرب غير متكافئة مع روسيا قضت على الأخضر واليابس، فسرعان ما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن خطته المكونة من 28 بندًا لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية – على حساب أوكرانيا طبعًا – حيث تضمنت بنود الخطة الاعتراف بشبه جزيرة القرم ولوغانسك ودونيتسك كأراضي روسية بحكم الأمر الواقع ولا يحق لأوكرانيا المطالبة بهذه الأراضي مستقبلاً، مع تقديم ميزات اقتصادية غير مسبوقة لروسيا نظير موافقتها على إنهاء الحرب.
الرئيس الروسي المنتصر وفقًا لتقديرات الأمر الواقع فلاديمير بوتين أبدى استحسانه للخطة الأمريكية، أما نظيره الأوكراني الذي يواجه ضغوطًا أمريكية ترتقي إلى حد التهديد؛ أصبح أمام خيارين كلاهما صعب كما يقول هو؛ إما أن تفقد أوكرانيا كرامتها أو تفقد شريك إستراتيجي وعسكري مهم كأمريكا.
الانتصار الروسي على أوكرانيا وأمريكا والغرب أًصبح واضحًا جليًا وإن كان الاعتراف به حتى الآن لم يأتي بصيغته الرسمية، فهل يحاسب الشعب الأوكراني رئيسه المتسرّع زيلينسكي؟!
محمود دسوقي – صحفي بمؤسسة الأهرام وباحث أكاديمي
