إيران: تزايد القمع خلال الحرب تحت غطاء “مطاردة الجواسيس”

0

كثفت السلطات الإيرانية من حملات الاعتقال بتهمة “التجسس” لصالح إسرائيل، منذ اندلاع الحرب في 13 حزيران/يونيو. واعتقل ما لا يقل 223 شخصا منذ ذلك التاريخ، وفقا لمنظمة مراقبة حقوق الإنسان في إيران غير الحكومية، والتي اعتمدت على إحصاءات جمعت من وسائل الإعلام الرسمية. ويرى الخبير في الشؤون الإيرانية، جوناثان بيرون، أن السلطات الإيرانية تستغل الصراع الدائر لتشديد الخناق على المعارضة.

اشتدت وتيرة القمع في إيران تحت وطأة القصف الإسرائيلي. وأعلنت السلطات الإيرانية الإثنين، إعدام زعيم المعارضة محمد أمين مهدوي، المسجون منذ عام 2023. وقبل ذلك بساعات قليلة، أعلنت منظمة “هرانا” غير الحكومية لحقوق الإنسان، ومقرها واشنطن، إعدام سجين آخر في اليوم السابق، وهو مجيد مسيبي. واتهم كلا المعتقلين بالتجسس لصالح إسرائيل.

رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي يحذر من وضع جيوسياسي هو “الأكثر تعقيدا” منذ عقود

منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وإيران في 13 حزيران/يونيو، أبدت الجمهورية الإسلامية طموحا واحدا: تعقب واعتقال وسجن كل من ساعد أو يساعد الدولة العبرية.

شكلت الحرب وقتا مناسبا لاتخاذ أقصى درجات الصرامة. وقال الإثنين، رئيس السلطة القضائية الإيرانية،غلام حسين محسني إيجئي، “إذا اعتقل شخص بسبب تواصله وتعاونه مع النظام الصهيوني فيجب محاكمته ومعاقبته وإعدامه بسرعة”.

على الأرض، تزايدت الاعتقالات. ويشير مراقبون إلى انتشار مكثف لأجهزة الأمن، وخاصة متطوعي الباسيج، وهو فرع من الحرس الثوري، يضم ملايين الأعضاء.

وأُلقي القبض على ستة عشر شخصا، في اليوم الذي تلى إطلاق إسرائيل عملية “الأسد الصاعد”، وفقا لموقع “إيران واير” الإلكتروني المعارض. وبعد يومين، اعتقلت الشرطة أربعة أشخاص في محافظة أصفهان الجنوبية. وفي 20 حزيران/ يونيو، أُلقي القبض على ثلاثين شخصا في مدينة همدان الغربية، بحسب السلطات المحلية.

وتصدر يوميا إعلانات من هذا النوع، من العاصمة طهران إلى كردستان إيران، مرورا بمحافظات الشمال والجنوب. وغالبا ما تكون أسباب الاعتقالات غامضة. فالبعض يتهم بإشعال حرائق أو القيام بسلوك مشبوه قرب مركز عسكري. بينما يتهم آخرون بنشر شائعات على مواقع التواصل الاجتماعي. إلا أن التهمة الأساسية واحدة دائما، وهي الارتباط بجهاز المخابرات الإسرائيلي، المسؤول عن العمليات الخاصة الأجنبية والمعروف بالموساد.

واعتقل ما لا يقل عن 223 شخصا منذ بداية الحرب الإسرائيلية الإيرانية، وفقا لمنظمة “مراقبة حقوق الإنسان في إيران” غير الحكومية، والتي اعتمدت على إحصاءات جمعت من وسائل الإعلام الرسمية.

سنوات من التجسس
كشفت عملية “الأسد الصاعد”، ثغرة في الاستخبارات الإيرانية، إذ تسلل عملاء العدو إلى أعلى مستويات صنع القرار في البلاد.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن مصادر أمنية زعمها أن الضربات الضخمة التي نُفذت في اليوم الأول من الحرب، وأسفرت عن مقتل عدد من كبار المسؤولين والعلماء الإيرانيين، كانت نتيجة سنوات من التجسس. وأضافت أن تل أبيب “حددت وتتبعت تحركات العلماء والمسؤولين العسكريين الذين اغتيلوا”.

في الأشهر التي سبقت الهجوم الإسرائيلي، أنشأ عملاء سريون قاعدة عسكرية في إيران وخزنوا فيها أسلحة مهربة، وفق ما صرح به مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى لصحيفة هآرتس. كذلك أوردت مجلة “ذا أتلانتيك” أن هذه القاعدة أُنشئت بمساعدة إيرانيين جندهم الموساد.

وأثبت جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي قدرته على العمل على الأراضي الإيرانية في تموز/يوليو 2024، عندما اغتال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في طهران.

يقدّر جوناثان بيرون، المؤرخ المتخصص في الشؤون الإيرانية بمركز إتوبيا للأبحاث في بروكسل، بأن يكون هذا كافٍ لإذكاء “نوع من الارتياب لدى السلطات الإيرانية”، لكنه يشير إلى أنه “من المستحيل، في ظل الوضع الراهن، التحقق مما إذا كانت هذه الاعتقالات تستند إلى أدلة ملموسة”.

خنق أي محاولة للاعتراض
يرى بيرون أن هذه الإشكالية المطروحة تعطي الحكومة الإيرانية، قبل كل شيء، ذريعة جاهزة لتكثيف قمعها للمعارضة في البلاد. ويوضح أن النظام “يستغل الوضع الراهن لقمع كل من يعتبره معارضا له باسم الدفاع عن البلاد”. ويذكر بأنه حتى خارج الصراع الحالي، تعلن إيران بانتظام عن اعتقال وإعدام عملاء يُشتبه في عملهم لصالح أجهزة استخبارات دول أجنبية، وخاصة إسرائيل.

وعبرت العديد من المنظمات غير الحكومية في الأيام الأخيرة عن خشيتها من”تكثيف القمع والإعدامات في الأيام المقبلة”.

وقال حسين باومي، نائب المدير الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية “إن الدعوات إلى محاكمات سريعة وإعدام المعتقلين بتهمة التعاون مع إسرائيل تظهر كيف تستخدم السلطات الإيرانية عقوبة الإعدام لفرض سيطرتها وبثّ الخوف في نفوس الشعب الإيراني”. ودعا السلطات لضمان حماية جميع المعتقلين من الاختفاء القسري والتعذيب “وغيره من ضروب سوء المعاملة، “وضمان محاكمتهم محاكمة عادلة، بما في ذلك في أوقات النزاع المسلح”.

الخوف من انتفاضة شعبية
ويعتبر باومي أن وراء تشديد القمع خشية على النظام، الذي يعلم أنه تم إضعافه، من اندلاع مظاهرات في وقت ما. ويرى أن “من شأن هذا الاستعراض للقوة أن يسهم في القضاء على أي حركة احتجاجية في مهدها”.

ويشير المسؤول في المنظمة الحقوقية إلى أن التظاهرات ضد النظام توقفت منذ بدء الضربات الإسرائيلية. ويتابع “حاولت بعض الحركات الطلابية شديدة الانتقاد للحكومة الدعوة إلى التعبئة، لكنها لم تفلح. لا يزال الشعب يحتج على النظام، لكنه يركز في الوقت الحالي على أمنه”.

بدوره يشير جوناثان بيرون إلى تصريحات علنية من شخصيات معارضة، مثل نرجس محمدي، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، تدعو الحكومة إلى مزيد من الانفتاح”. لكنه يعتبر أن هذه النقاشات قائمة، لكن تأثيرها محدود في الوقت الحالي”.

ويخلص بيرون إلى أن القمع يتصاعد أيضا على الإنترنت، حيث تشهد الشبكة انقطاعات عديدة. وقطعت وزارة الاتصالات الوصول إلى الإنترنت بانتظام، بحجة الخشية من هجمات إلكترونية إسرائيلية. وهو ما يخدم الجهاز القمعي للنظام، ويمنع السكان من مشاركة المعلومات.

وقد اعتقل حوالي 206 أشخاص بسبب محتوى منشور على الإنترنت أو أنشطة مشبوهة، وفقا لمنظمة هرانا غير الحكومية.