لماذا المغرب؟ سؤالٌ وجيهٌ يُطرح بقوة هذه الأيام. فكل المؤشرات الجيوسياسية تُشير إلى قرب اعتراف روسيا الرسمي بسيادة المغرب على صحرائه، في خطوة تُعد تحولاً استراتيجياً عميقاً يُنهي عقوداً من الانحياز الروسي التقليدي نحو الجزائر.
في هذا السياق، صدر تقرير تحليلي استراتيجي عن وحدة الدراسات الجيوسياسية الروسية، سُرّب جزئياً إلى الإعلام، يوصي بشكل صريح بالتخلي عن المواقف الرمادية والاعتراف بمغربية الصحراء، مشيداً بما وصفه بـ”النموذج المغربي الفريد” في إدارة ملفات السياسة الخارجية.
أبرز محاور التقرير الروسي: كيف يرى الكرملين المغرب الجديد؟
1. تفوق دبلوماسي رغم ضعف الموارد
يتساءل معدو التقرير: من أين يستمد المغرب هذه القوة الناعمة؟ فرغم افتقاره إلى موارد الطاقة كالنفط والغاز، يتصدر المغرب المشهد في إفريقيا، ويفرض نفسه لاعباً محورياً.
2. مزيج غير مسبوق من الليونة والحزم
وصف التقرير السياسة الخارجية المغربية بأنها نموذج فريد يمزج بين الغموض الاستراتيجي والوضوح في الأهداف، ما يجعل مواجهته دبلوماسياً أمراً معقداً.
3. دبلوماسية “الأصدقاء للجميع”
المغرب يحتفظ بعلاقات متوازنة مع قوى متناقضة: أمريكا وروسيا، الصين والغرب، إسرائيل وفلسطين، مما يُكسبه مرونة فريدة ومكانة دولية متقدمة.
4. محور موازي للنفوذ الصيني والغربي
تنظر موسكو إلى الرباط كـحليف محتمل في إفريقيا لمواجهة الهيمنة الغربية، بل وربما بديل استراتيجي عن الجزائر.
5. استقلالية في مواجهة واشنطن
أشاد التقرير بـ”الرباط” التي لم تُظهر أي استكانة أمام إدارة بايدن أو ترامب، بخلاف دول أخرى، مما يعكس استقلالية القرار السياسي المغربي.
6. استغلال الفراغ الروسي في إفريقيا
المغرب نجح في ملء فراغات استراتيجية خلفتها روسيا، عبر شراكات اقتصادية وأمنية متنامية في القارة السمراء.
7. الهيمنة على العلاقات الإسبانية
يرى التقرير أن المغرب أصبح الطرف المُهيمن في العلاقات الثنائية مع إسبانيا، رغم التفاوت بين حجم البلدين، مدفوعاً بعوامل أمنية وطاقية.
8. التخدير الدبلوماسي الأوروبي
ابتكر المغرب نهجًا دبلوماسيًا وصفه التقرير بـ”التخدير”، حيث هدّأ مواقف فرنسا وألمانيا وإسبانيا من خلال قوة ناعمة وضغوط جيوسياسية محسوبة.
9. الجزائر دولة غير موثوقة
انتقد التقرير الجزائر بشدة، واعتبرها شريكاً غير موثوق، متّهماً إيّاها بـ”الخيانة” عبر بيع الغاز لأوروبا خلال الأزمة الروسية الغربية.
10. الدعوة إلى شراكة استراتيجية شاملة
أوصى التقرير بتحويل العلاقة المغربية الروسية إلى شراكة استراتيجية اقتصادية، عسكرية، استخباراتية.
11. المغرب في قيادة الإنتربول
تم انتخاب المغرب عضواً في اللجنة التنفيذية للإنتربول، ما يمنحه نفاذاً استخباراتياً واسعاً إلى قواعد البيانات الأمنية في إفريقيا.
البوليساريو: من حركة تحرر إلى كيان إرهابي
يخصص التقرير فقرة هامة لـملف البوليساريو، ويدعو إلى تصنيفها كـ”تنظيم إرهابي”، استناداً إلى تحركات مغربية داخل أروقة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والإفريقي.
كما أشار معد التقرير إلى التحوّل الذي شهدته البوليساريو من حركة وطنية إلى جماعة انفصالية مدعومة من الجزائر، موضحاً أن هذا التحول تم بالقوة والقتل والتعذيب، كما في حالة مؤسسها “الولي مصطفى السيد” الذي قُتل في موريتانيا.
توصيات التقرير الروسي: خارطة طريق جديدة
الاعتراف الرسمي بمغربية الصحراء.
إعادة تموضع الشركات الروسية في إفريقيا عبر المغرب.
دعوة ناصر بوريطة لتوقيع اتفاقيات استراتيجية.
دعم انضمام المغرب إلى مجموعة البريكس.
اذن لماذا المغرب؟ ولماذا الآن؟
يرى الكرملين أن المغرب لم يعد مجرد دولة ذات نفوذ إقليمي، بل تحوّل إلى مركز توازن استراتيجي قادر على المناورة بين القوى الكبرى، ويُمثّل بوابة مهمة لإعادة التموضع الروسي في إفريقيا بعد فشل الرهان على الجزائر.
وهكذا، تقترب لحظة الاعتراف الروسي بالصحراء المغربية، كصفعة جديدة في وجه خصوم الرباط، وخصوصاً الجزائر التي فقدت آخر أوراقها في لعبة النفوذ الإقليمي.
د. ماك شرقاوي الكاتب الصحفي
والمحلل السياسي المتخصص في الشأن الأميركي
رابط الحلقة :