د. ماك شرقاوي يكتب: الحق في تقرير المصير: قراءة قانونية للقرار الأممي 1514/1960 ومحاولات الجزائر لتأويله

2

من خلال برنامج “طريق المعرفة” على قناة ماك شرقاوي، نناقش اليوم موضوعًا قانونيًا مهمًا يرتبط بحقوق الشعوب وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتحديدًا القرار 1514 الصادر في 14 ديسمبر 1960 بشأن منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمَرة.

السياق الحالي:
تسعى الجزائر، عبر مواقف وتصريحات متعددة، إلى تأويل هذا القرار الدولي بما يخدم أطروحتها المتعلقة بتفكيك الوحدة الترابية للمملكة المغربية، عبر دعم كيانات انفصالية. غير أن القراءة الدقيقة لهذا القرار تكشف أن “تقرير المصير” لا يعني بالضرورة “الانفصال”، بل إن القرار نفسه يتضمن نصوصًا واضحة تؤكد على احترام وحدة الدول وسلامتها الإقليمية.

قراءة في القرار 1514
ينص القرار 1514 على عدد من المبادئ الأساسية، من أبرزها:

تأكيد حقوق الإنسان الأساسية وحق الشعوب في تقرير مصيرها، لا سيما تلك التي تخضع للاحتلال الأجنبي.

ضرورة احترام السلامة الإقليمية للدول وعدم السماح بأي محاولة لتقويض وحدتها، كما ورد في المادة السادسة من القرار:

“كل محاولة تستهدف التقويض الجزئي أو الكلي للوحدة القومية والسلامة الإقليمية لأي بلد تتنافى ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه”.

هذه الفقرة وحدها تُبطل التأويل الذي تحاول بعض الأطراف فرضه لتبرير مشاريع الانفصال، لأنها تؤكد أن حق تقرير المصير يجب ألا يُستخدم كذريعة لتفكيك الدول القائمة ذات السيادة.

محاولات التأويل المبتورة للقرار
إن الإصرار على قراءة القرار بشكل أحادي واختزاله في مفهوم “الانفصال” هو تجاهل متعمد لسياقه القانوني والسياسي. الجزائر، في خطابها الدولي، تتجاهل بشكل واضح المضمون الكامل للقرار، ولا سيما المادة السادسة التي تمثل ركيزة أساسية في فهم العلاقة بين تقرير المصير والوحدة الإقليمية.

توصية 2625 لسنة 1970: توضيح إضافي
صدرت عن الجمعية العامة للأمم المتحدة توصية رقم 2625 بتاريخ 24 أكتوبر 1970، تحت عنوان “إعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول”. تؤكد هذه الوثيقة التفسيرية على ما يلي:

أن مبدأ تقرير المصير لا يمكن تفسيره على نحو يؤدي إلى تفكيك الدول ذات السيادة.

أن الحكم الذاتي يُعد من أرقى أشكال ممارسة هذا الحق، خصوصًا في النزاعات ذات الطابع الإقليمي المعقد.

الحكم الذاتي كحل سياسي واقعي
في عام 2007، قدمت المملكة المغربية مبادرة الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية، تحت سيادتها، كحل سياسي واقعي لتسوية النزاع، وهي مبادرة اعتبرها مجلس الأمن “جدية وذات مصداقية”. هذا النموذج ينسجم تمامًا مع روح القرار 1514 والتوصية 2625، ويجسد مبدأ تقرير المصير بشكل عملي ومتوازن.

الشرعية الدولية والتأويل الجزائري
الشرعية الدولية، بما في ذلك فتاوى محكمة العدل الدولية وقرارات مجلس الأمن، لم تعترف قط بشرعية أي كيان انفصالي في الصحراء المغربية. الفتوى الصادرة عام 1975 بشأن الصحراء الغربية أقرت بوجود روابط قانونية وتاريخية بين المغرب وسكان هذه المنطقة، وهو ما ينفي أي طابع “استعماري” للنزاع، وبالتالي يُسقط حجة “تصفية الاستعمار” التي تتمسك بها الجزائر.

تقرير المصير لا يعني الانفصال بالضرورة.

القرار 1514 يؤكد على حق الشعوب في تقرير المصير في سياق إنهاء الاستعمار الكلاسيكي، وليس في تفكيك الدول.

الحكم الذاتي هو الشكل الأرقى لتقرير المصير في النزاعات المعقدة.

الجزائر تسعى لتأويل مبتور للقرار 1514 بما يخدم مشروعًا انفصاليًا غير مدعوم بأي سند قانوني دولي.

من هنا، ندعو الأكاديميين والباحثين والمهتمين بالقانون الدولي إلى تناول هذه القضايا بمهنية وبمنظور قانوني رصين، بعيدًا عن التأويلات السياسية المغرضة.

د. ماك شرقاوي الكاتب الصحفي
والمحلل السياسي المتخصص في الشأن الأميركي

رابط الحلقة :