د. ماك شرقاوي يكتب: تسريبات أمريكية بشأن غزة: تهدئة أم إعادة طرح لسيناريو التهجير القسري؟
في خضم التصعيد العسكري المستمر في قطاع غزة، عادت إلى الواجهة تسريبات إعلامية تزعم وجود مقترح أمريكي جديد للتعامل مع الأوضاع، وسط تساؤلات حول مدى واقعيته، وأبعاده السياسية والاستراتيجية، في لحظة إقليمية غاية في الحساسية.
مصادر متابعة للملف أكدت أن ما يُتداول لا يمكن تصنيفه كمقترح رسمي من الإدارة الأمريكية، بل هو أقرب إلى تسريبات تهدف إلى “جس النبض” وقياس ردود الفعل على ما قد يكون خطة لإعادة طرح مشاريع قديمة بصياغة جديدة.
ورغم ذلك، فإن افتراض جدية هذه التسريبات يحمل دلالات خطيرة، إذ تُطرح في سياق سياسي وأمني حرج، سواء داخل الأراضي الفلسطينية أو في المنطقة ككل. وتُقرأ هذه التحركات باعتبارها تكريسًا لرؤية التهجير القسري كحل بديل للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وهي رؤية طالما دافعت عنها أوساط اليمين الإسرائيلي المتطرف، وإن لم تُعامل سابقًا بالجدية الكافية على الساحة الدولية.
اليمين الإسرائيلي.. والخطة “الشيطانية”
وفق ما يرى مراقبون، فإن ما يحدث حاليًا يمثل محاولة حثيثة لتنفيذ خطة قديمة كان يتم التعامل معها كمستحيلة التنفيذ. اليوم، هناك ضغط متزايد نحو تحويل فكرة تهجير سكان غزة من مجرد رؤية يمينية متطرفة إلى مشروع قابل للتنفيذ، وهو ما يُعد في حال حدوثه نسفًا كاملاً لأي التزام أمريكي بحل الدولتين، وهو الحل الذي استقرت عليه السياسة الأمريكية لأكثر من خمسة عقود.
من “صفقة القرن” إلى “ريفييرا غزة”
التسريبات الأخيرة أعادت التذكير بمقترح سابق طُرح ضمن خطة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والمعروفة بـ”صفقة القرن”، حيث ورد فيها مشروع باسم “ريفييرا غزة” يهدف إلى تحويل القطاع إلى منطقة اقتصادية مفتوحة تضم مشروعات سياحية واستثمارية شبيهة بتلك الموجودة في مناطق مثل نيوم والعُلا.
ويرى محللون أن إدارة ترامب، أو من يتبنّى رؤاها اليوم، يسعى لإعادة تسويق هذه الخطة كـ”صفقة استثمارية مربحة” للولايات المتحدة، في محاولة لتمريرها سياسيًا، خاصة أن ترامب يسعى لاستخدام مثل هذه الطروحات كورقة ضغط انتخابية قبيل انتخابات 2027.
رفض فلسطيني وعربي واسع
لكن على أرض الواقع، يواجه هذا السيناريو رفضًا فلسطينيًا قاطعًا من مختلف الفصائل، بما فيها حماس وفتح وأكثر من عشرين فصيلًا آخر، جميعهم يرفضون أي شكل من أشكال التهجير القسري. كذلك، يتمسك سكان غزة بأرضهم رغم الحصار والدمار والمعاناة المستمرة منذ أكثر من سبعة أشهر، وهو ما يعكس موقفًا شعبيًا راسخًا لا يمكن تجاوزه بسهولة.
ليبيا وسيناء.. محاور الرفض الإقليمي
التسريبات التي أشارت إلى إمكانية نقل فلسطينيين إلى ليبيا، أثارت ردود فعل غاضبة، خصوصًا بعد تصريحات نسبت لرئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة حول استعداده لاستقبال لاجئين فلسطينيين. محللون حذروا من أن مثل هذا الطرح قد يُفجّر الوضع في ليبيا، ويوفر ذريعة لقوى مناهضة للحكومة، مثل خليفة حفتر، لاستغلال الفوضى وفرض سيطرة عسكرية.
من جهة أخرى، جاء الموقف المصري واضحًا وحاسمًا. القاهرة أعلنت صراحة رفضها استخدام أراضيها، خصوصًا سيناء، في أي مشاريع تهجير، وأكدت أنها لن تكون طرفًا في أي تسوية تمس السيادة الفلسطينية أو تغير ديمغرافيا القطاع.
مخالفة للقانون الدولي واتهامات بـ”التطهير العرقي”
قانونيًا، تعتبر هذه الخطط – في حال تنفيذها – خرقًا لاتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر الترحيل القسري للسكان تحت الاحتلال، وتصنفه كـ”جريمة حرب”. كما وصفت الأمم المتحدة أي سيناريو مشابه بأنه “تطهير عرقي محتمل”، وهو ما يفتح الباب أمام تصعيد دولي قانوني ضد من يروجون أو ينفذون هذه المخططات.
د. ماك شرقاوي الكاتب الصحفي
والمحلل السياسي المتخصص في الشأن الأميركي