في وقت تشهد فيه المنطقة توترات متصاعدة، تطل علينا مجددًا ما تُعرف بـ”قافلة الكرامة”، التي انطلقت من لبنان باتجاه قطاع غزة مرورًا بسوريا، الأردن، ومصر. ورغم أن الشعار المرفوع هو “كسر الحصار عن غزة”، فإن المسار غير المباشر، والرمزية المصاحبة، تطرح تساؤلات مشروعة حول الهدف الحقيقي من هذه القافلة.
لماذا مصر؟ ولماذا عبر معبر رفح فقط؟
تساءل الإعلامي ماك شرقاوي: إذا كان الهدف هو كسر الحصار عن غزة، فلماذا لم تنطلق القافلة مباشرة من جنوب لبنان، حيث لا يفصل الأراضي اللبنانية عن الأراضي الفلسطينية سوى عشرات الكيلومترات؟ لماذا لم يتم التوجه نحو مزارع شبعا أو قرية الغجر، وهما أراضٍ لبنانية لا تزال تحت الاحتلال الإسرائيلي؟
المسار المختار عبر سوريا، الأردن، خليج العقبة ثم مصر، يوحي بأن الرسالة ليست فقط لغزة، بل تتضمن أيضًا رسائل مبطنة تهدف إلى إحراج الدولة المصرية أو استغلال رمزية معبر رفح لأغراض سياسية أوسع.
أين الكرامة إذا كانت الأراضي اللبنانية نفسها محتلة؟
يشير شرقاوي إلى تناقض كبير في سردية المنظمين، متسائلًا: إذا كانت دوافع القافلة وطنية وإنسانية، لماذا لا تبدأ بتحرير الأراضي اللبنانية الخاضعة للاحتلال الإسرائيلي؟ ولماذا لا يتوجه من يريد “الاستشهاد” إلى نقاط التماس الحقيقية بدلًا من محاولة فرض واقع على دولة مثل مصر، التي دفعت الكثير دفاعًا عن فلسطين؟
تحركات مشبوهة تحت عباءة العمل الإنساني
بحسب شرقاوي، فإن القافلة ليست سوى امتداد لمحاولات سابقة لاختراق الحدود المصرية تحت عناوين مختلفة، مثل “قافلة الصمود” أو “أسطول الحرية”. كل هذه التحركات تبدو وكأنها تستهدف مصر، وتُحاول خلق أزمات داخلية تحت ستار من الشعارات الرنانة.
وما يثير الريبة أكثر أن القافلة تمر عبر مناطق يُسيطر عليها أطراف مرتبطة بإيران، وتركيا، وجماعات مسلحة معروفة بخطابها العدائي لمصر، ما يفتح الباب أمام الكثير من الشكوك حول الغطاء السياسي الفعلي لهذه التحركات.
أزمة غزة حقيقية… لكن أدوات الحل يجب أن تكون واقعية
يُؤكد شرقاوي أن التعاطف مع أهالي غزة أمر مفروغ منه، وأن الحصار القائم منذ أكتوبر 2023 هو كارثة إنسانية بكل المقاييس. ومع ذلك، فإن مصر تقوم بدورها على الأرض فعليًا، وتعمل على إيصال المساعدات الإنسانية، وتخطط لإعادة إعمار القطاع خلال خمس سنوات، بتكلفة تقديرية 57 مليار جنيه، ضمن خطة وطنية طموحة أعلن عنها الرئيس عبد الفتاح السيسي.
“قافلة الكرامة”… اسم بلا مضمون
في ختام الحلقة، وصف شرقاوي “قافلة الكرامة” بأنها اسم على غير مسمى، لأنها، بحسب رأيه، لا تسعى فعليًا إلى كسر الحصار عن غزة، بل تهدف إلى خلق مشهد إعلامي يُحمّل مصر مسؤولية ما لا تملكه، ويُحاول حرف الأنظار عن الجهات الفعلية التي تتحمل تبعات الأزمة، ومنها الاحتلال الإسرائيلي والسياسات الإقليمية الداعمة له.
القضية الفلسطينية تحتاج إلى مقاربة عقلانية، ومسؤولية جماعية من كل الدول العربية والإسلامية، وليست مسرحًا لتصفية الحسابات أو تسجيل النقاط على حساب استقرار الدول المحورية كـ مصر. وتبقى المبادرات الحقيقية هي تلك التي تُترجم إلى أفعال ملموسة، لا قوافل وشعارات.
د.ماك شرقاوي الكاتب الصحفي
والمحلل السياسي المتخصص في الشأن الأميركي