شحاتة زكريا يكتب:القوة والصفقات .. الشرق الأوسط في ظل السياسات الأمريكية

3

لا شك أن سياسة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قد أحدثت تغييرات جوهرية في المشهد الدولي حيث أن توجهاته في السياسة الخارجية قد فاجأت كثيرين في مختلف أنحاء العالم. من خلال تعامله مع الأزمة الأوكرانية حيث فرض تسوية أحادية ، إلى التعامل مع الشرق الأوسط على أنه ساحة مفتوحة للصفقات التجارية والمصالح الاقتصادية البحتة ، أصبحت الولايات المتحدة أكثر براجماتية في مقاربتها للمنطقة. ترامب الذي يروج لفكرة “الحق في القوة”، يعيد تعريف العلاقات الدولية بطريقة تؤسس لعالم مليء بالتحديات والفوضى.

تتمثل إحدى أكبر التحديات التي تواجه السياسة الأمريكية في عهد ترامب في “القوة العظمى” التي يسعى لتعزيزها. بالنسبة لدول مثل أوكرانيا.فإن غياب الأمم المتحدة وأي شراكات متعددة الأطراف في التفاوض يعزز من فكرة استبدال التعددية بالقوة الأحادية ، وهو ما يعكس التوجهات التي تسود على الساحة الدولية. ومع ذلك يواجه ترامب العديد من المخاطر مثل معارضة الكونغرس الأمريكي أو الضغوط الدولية في حال فشل هذه السياسات في تحقيق الأهداف المعلنة.

على الصعيد الإقليمي يبدو أن الولايات المتحدة قد ابتعدت عن الالتزامات التقليدية في الشرق الأوسط ، وركزت أكثر على مصالحها الاقتصادية. وبالنسبة للدول العربية فإن هذه السياسات تفتح الباب أمام فرص جديدة ، لكنها في الوقت نفسه تضع تحديات جسيمة أمام استقرار المنطقة. مع تراجع الدور العسكري الأمريكي في بعض الأماكن يتعين على الدول العربية أن تتبنى استراتيجيات مرنة تسعى إلى إيجاد شراكات استراتيجية مفيدة مع واشنطن ، إلى جانب التنويع في الشراكات مع قوى أخرى مثل روسيا والصين.

أما بالنسبة لمصر فقد تجد نفسها في مفترق طرق؛ فهي دولة محورية في المنطقة وبالتالي فإن تعاملها مع السياسات الأمريكية يجب أن يكون قائمًا على التوازن بين الاستفادة من الشراكة مع واشنطن من جهة، وبين الحفاظ على مصالحها الوطنية في ظل التحديات الإقليمية والدولية من جهة أخرى. ففي الوقت الذي تقدم فيه الولايات المتحدة الدعم العسكري والاقتصادي لبعض دول المنطقة تجد القاهرة نفسها في موقف يتطلب موازنة بين الدعم الأمريكي والمصالح العربية والإفريقية. يتعين على مصر أن تواكب التحولات الجيوسياسية دون التفريط في علاقتها مع الولايات المتحدة أو التضحية بمصالحها الاستراتيجية.

في هذا السياق تتسابق القوى الكبرى لتعزيز وجودها في المنطقة حيث تسعى كل من الصين وروسيا إلى لعب أدوار أكبر في الشرق الأوسط. هذا يعنى أن الدول العربية بحاجة إلى أن تكون أكثر قدرة على التكيف مع المتغيرات الدولية، وأن تسعى إلى توظيف علاقاتها بما يخدم مصالحها العليا. وفي الوقت نفسه لا بد من التأكيد على أهمية تعزيز التعاون العربي المشترك لأن توحيد المواقف بين الدول العربية قد يشكل حاجزا ضد محاولات التقسيم الإقليمي التي قد تستغل الفراغات الناتجة عن التنافس الدولي.

في النهاية سيبقى التحدي الأكبر هو كيفية بناء شراكات استراتيجية تستند إلى مبدأ “الصفقات المتبادلة” التي تضمن المصلحة لكل الأطراف. وبينما ينشغل العالم بإعادة تشكيل نفسه تحت ضغط القوى الكبرى يجب على الدول العربية أن تكون أكثر حذرا في إدارة علاقاتها الدولية ، وأن تدرك أن قوتها تكمن في قدرتها على التكيف وتحقيق التوازن بين القوى العظمى.