الأرملة السوداء.. توليفة دسمة من العلاقات الإنسانية وإبهار لا ينتهي

كتبت: عبير يونس

48

الأرملة السوداء.. عندما يتم إنتاج فيلم بهذا الحجم، فإن صناع الفيلم يحرصون ألا تمر ثانية من ذلك الفيلم، دون أن يتم الاستحواذ على كل ما فيك من فكر و شعور لتتفاعل مع كل تفصيلة تم توظيفها بعناية، لإيصال العديد من الرسائل المتنوعة و المتشابكة للمشاهد. صندوق الرسائل مكتظ بما لذ وطاب، و حتى ذلك المعنى قد تم تصويره ببساطة مذهلة في مشهد جوهري كاشف.

بساطة أم تعقيد؟

منذ البداية، و قبل أي حدث، فالعنوان “الأرملة السوداء” يحتوي عدة معان، تتشكل بحسب ما تحمله أنت من برمجيات تجاه المسمى المعروف لأنثى العنكبوت و تجاه اللون الأسود و أيضا فكرة الأنثى الوحيدة التي فقدت السند.

الألم يزيدنا قوة

هي عبارة تكررت في بداية الفيلم و عند الذروة. وهي مفهوم تعتمده كل أنثى وحيدة “لتفسير” الألم. إذ ليس لديها خيار سوى أن تزداد قوة. ناتاشا اختارت دوما أن تكون من الناجين، و لم تقبل أبدا الاستسلام.

مفهوم الأسرة بلا صلة دم

ربما صار علينا أن ندرك في هذا الزمن المتقدم ،نوعا ما، في تاريخ البشرية، أن العلاقات الإنسانية، لا يتم تقييمها بصلة الدم، فأسرة ناتاشا لا تربطهم أي قرابة. لكنهم يمثلون ضرورة اتحاد رموز القوة و العلم و البراءة و سرعة التصرف.

 النضج العاطفي و بقايا التعلق

بشكل يبعث على الكثير من الرضا، فالفيلم ابتعد عن تيمات الدراما المستهلكة و التي تستمد قوتها من العبث بسلاح مشاعر التعلق. فإليكسي، الأب المزعوم، متعلق برغبة طفولية في السيطرة بالقوة الجسدية أشبه بخنزير مبرمج كما تراه الزوجة المزعومة ميلينا.  و يلينا الطفلة المرهفة الحس لا تكبر أبدا براءتها وتعلقها الشديد بأسرتها و ذكريات الطفولة، بإضافة إلى نظرتها المنبهرة و الممتنة لأختها الكبرى ناتاشا اتباعها لها كمثل أعلى.  أما ميلينا الأم العالمة   تخبر عيناها أنها بلا قلب، في رسالة تصرخ بأن علينا أن نكف عن تمجيد قلب الأم الممتلئ بالتعلق المرضي و هي ترى ناتاشا حاملة لمفهوم القلب الحقيقي، إذ يعبر عن ذلك سؤالها لنتاشا: كيف استطعت أن تحتفظي بقلبك؟

 تطور هائل في مفهوم البطل الخارق

ناتاشا تلعب دور المنقذ ببراعة لكنها هنا لا تتعامل إلا مع الناجين و لا تبكي على الضحايا. و تحرر بنفسها عقدة الذنب التي حملتها لسنوات عديدة من ظنها أنها قتلت ابنة ديراكوف.

مفهوم السيطرة

و لا أقوى من تيمة الصراع السوفيتي و الولايات المتحدة على السلطة و حكم العالم. فكلاهما يستهويه حلم السيطرة على العالم. ناتاشا لا تخلو من ممارسات السيطرة لإنجاز مهامها. فيظهر تسلطها في تقريعها الدائم لصديقها الذي يمدها بكل الأدوات اللازمة. تبدو واثقة أنها دوما على صواب في إصرارها الواضح على نطق كلمة “بودابست” العاصمة المجرية “بودابشت”، كما يعكس ذلك فخرا عميقا بهويتها و لغتها التي استخدمتها بشكل متكرر للتعبير عن ادق المشاعر في عدة مواضع من الفيلم. كما وصفتها يلينا بالتفاخر لاعتمادها وضعية جسدية معينة و هي تقاتل.

مفهوم الدعم

هذا الفيلم يقدم صورا شديدة الوضوح لكيف يكون الدعم . الجميع يدعمون بعضهم بلا خذلان و بلا تفرقة بين اصدقاء و أعداء في رسالة واضحة أننا جميعا متصلون.

 التعقيم وقيمة المرأة بلا إنجاب

الفيلم يبعث برسالة في منتهى القوة أن قيمة المرأة منفصلة تماما عن كونها أما. فالمقاتلات يتم استئصال أرحامهن حتى لا ينجبن. هذه النقطة الحرجة قد تعتبرها انتهاكا لجسد و تدمير لحلم الأنثى بالانجاب و غريزة وجود امتداد. لكنها من وجهة نظر من يوظفهم، ضرورة لتجنب تعطل الأنثى عن القيام بالمهام القتالية. و من مفهوم” الألم يزيدنا قوة” فإن ناتاشا أقوى بلا رحم أنثى.

ضد قوانين الجاذبية

هذه المرة تتفوق هوليود على نفسها بمعارك تتم في الجو و بلا أي اعتبار لقوانين الجاذبية في تنويعات من السقوط الحر.

 الانتقام ليس له نهاية

و ثراء الفكرة أيضا معين لا ينضب من الاحتمالات المرتقبة. و كما الإنتقام دائرة مفرغة بلا نهاية و بلا بداية، فمع الأبطال المنقذين ، يعد الإنتقام مهمة يتم تنفيذها بحرفية التخطيط و التنمية الدائمة للمهارات. ما ينبئ عن وجود جزء ثان من الفيلم، أو ربما عدة أجزاء بحسب ما يتراءى لفريق الكتابة من صناع الفيلم.