لمى أبو النجا تكتب: إتيكيت المشاعر

107

حصل موقف أمامي في العمل أثار حفيظتي و ذهولي، كانت لدينا زميلة توفيت

والدتها “رحمة الله عليها” وحضرت للدوام بعد الإجازة كان الجميع يحاول مواساتها

و هذه المواقف تكون في منتهى الحساسية والخطورة لأن الآخر الذي أمامنا

الآن هو إنسان قد كشف جرحه بشكل كامل ، أي تصرف أو كلمة أو حتى إيماءه قد تسبب آلالام عظيمة وتزيد الحالة سوء..

 

 

دخلت زميلة أخرى تحتضنها و تواسيها وتبكي معها ثم إلتفتت على الجميع وقالت :”الله يحفظ لنا أمهاتنا يابنات ما اقدر أتخيل

الحياة بدون ماما”

و كردة فعل قالوا “آمين”و أخذ الحديث منحى آخر تماماً عن الأمهات والرعاية بالأطفال …الخ

من الصدمة لم أستطع حتى أن اتفوه بكلمه واحدة!!

كيف لشخص أن يواسي شخصاً آخر ويذكره بكل قسوة عن فقده او جرحه !؟ سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة..

عدت للمنزل وفتحت السناب شات فوجدت أن هذه الزميلة لم تترك صورة واحدة مع أمها لم تضعها وتكتب عليها

“ماما الله يخليكي ليا” “ماما انت نور حياتي” “انا محظوظة فيكي”

و البنت المسكينة كانت ترى كل ذلك..

أقول لأي شخص في مرحلة صعبه من حياته و قد مر بفقد أيا كان نوعه أن يبقى لوحده فترة إلى أن يشفى رغم أن بعض الجراح

لاتشفى أبدا ولكن إلى أن يبرد ذلك الوهج الذي يشعل القلب كلما ذكر أحدهم شيئاً يستفز ذكرياته..

أو أن يختار وبعناية شديدة بمن يختلط ومن يجالس ومع من يتحدث وهو في أضعف حالاته

مانفعله هو أننا دائما ما نعتقد اننا نخفف أوجاع الآخرين بطريقة غريبة مما يجعل حالتهم أكثر سوءاً قبل أن يلتقوا بنا

نجبر مثلاً هذا الإنسان على الخروج ومخالطة الناس وتحمل جهالتهم

نحن لانعلم التوتر الشديد والترقب لأي كلمة يتفوه بها أحد أن تثير ذلك الجرح العميق الذي سيعاني منه وحده ..

أعاني لسنوات من مرض مزمن وقد تماثلت للشفاء الحمدلله

لكن طوال تلك السنوات كنت محور الحديث في كل “جمعة حريم” الجميع يصبح أطباء ومرشدين ومعالجين وتتحول السهرة إلى

أسماء أدوية و أسماء شيوخ دين ووصفات غريبة و تشخيص لحالتي (مرة أنني مصابة بالعين و مرة أنني مسحورة و مرة أنني

معشوقة من قبل جني) وغيرها من هذه التهاويل والهراء
كل هذا يحصل حتى بدون أن أطلب مساعدة أو رأي أو حتى دعوة من أي إنسان الجميع أعطى نفسه كامل الحق في الحديث

عني وعن مرضي بدون أي مراعاة لأي شيء
حتى وصل الأمر أنني في أحد المرات دخلت مجلس يعج بالنساء في جمعات صديقات أمي الأسبوعية وقلت

ارجوكم رجاء خاص أن تنسوا أنني مريضة أريد لمرة فقط أن اشعر اني بنت طبيعية انا اريد انسى تعبي ..

لا ابالغ ان قلت لم تكتمل العشرة دقائق من هذا التصريح الا وقفزت احداهن لتعطيني رقم شيخ يقرأ علي

تركتهم وذهبت لغرفتي

ومطلوب مني بعد كل هذا أن اقتنع ان نيتهم حسنه وانهن فقط يردن مساعدتي!!

هناك حالة تتكرر دائما دااائما هو حينما يأتي إلينا صديق او صديقة مجروح من طلاق او انفصال او تجربة مريرة مباشرة نبدأ

بشتم الطرف المخطيء “اتركيه مايسوى ، تلاقي غيره عشره …الخ”
او “البنات ماليين الدنيا ، الف وحدة تتمناك”

متناسين أن تلك العبارات لاتصلح لهم في هذه المرحلة وان موقفنا القاسي هذا قد يشعرهم بالذنب والعار ان ابدوا تعلقاً او حباً

لم ينتهي بعد..

الناس مؤذيين لذلك انا من انصار العزلة

لا اقول أن نوايا من أرادوا مواساتنا سيئة لكن النية وحدها لاتكفي علينا ان نتعلم كيف نفعل ذلك كيف نكون بلسم لشفاء جراح أحبتنا ، ان نفهم عمق مشاعرهم

سألتني مره إحدى الصديقات التي تختلف معي طوال الوقت ولكنها حينما تتالم عاطفيا لاتلجأ لأحد إلا إلي

قالت : كيف تفعلين ذلك؟ لماذا اشعر بالراحة لمجرد حديثي معك رغم اننا نختلف بكل شيء ونضارب كثير

قلت لها :
لأنني لا استمع لك ، انا أعيش معك انصت لألمك
وهذه القداسة أمنحها فقط لمن اختارني لمشاركة وجعه