نادية صبرة تكتب .. مآلات التصعيد الإسرائيلي وإستثمار نتنياهو وحماس المعركة في غزة

75

 

منذ بداية شهر رمضان المعظم والإستفزازات الإسرائيلية تجاه الفلسطينين لم تهدء بدءت بمعركة باب العمود بالقدس المحتلة والتي إنتصر فيها الشباب الفلسطيني الأعزل وأرغم قوات الإحتلال على إزالة الحواجز الأمنية ثم ما حدث في حي الشيخ جراح ومحاولة إجبار العائلات الفلسطينية على ترك منازلها التي يقيمون فيها منذ عقود ثم كان ذروة الإستفزازات ما حدث مساء الجمعة السابع من مايو الجاري بإقتحام الشرطة الإسرائيلية ساحات المسجد الأقصى والإعتداء على المصلين بالضرب وإطلاق الرصاص الحي ومنع الفرق الطبية والمسعفين من نقل المصابين مما أوقع ما يقرب من 200 إصابة بين الشباب الفلسطيني وقد إشتعلت باحات الأقصى والقدس بعد أن كسر الإحتلال الإسرائيلي جميع الخطوط الحمراء وقمع المصلين مجدداً في ليلة القدر المباركة حيث كان يتواجد داخل المسجد الأقصى مائة ألف مصلي رابطوا للدفاع عنه وقد طالبت السلطة الفلسطينية الأمم المتحدة بتوفير حماية دولية للشعب الفلسطيني..

الإعتداء الإسرائيلي على الأقصى قوبل بإدانات عربية ودولية وردود فعل شعبية وطالب الإتحاد الأوروبي بخفض مستوى التصعيد في القدس وإحترام الأماكن الدينية بالمدينة وضبط النفس ومحاسبة المسئولين عن العنف من الجانبين كما منعت بولندا والنمسا إتخاذ مواقف أكثر صرامة تجاه إسرائيل ثم أعلنت القيادة الإسرائيلية عن الإستعداد لمزيد من التصعيد بعد اجتماع رئيس الأركان الإسرائيلي (أفيف كوخافي) مع مسئولين عسكريين وأمنيين وأوعز بتعزيزات لشوارع القدس المحتلة لتصبح ثكنة عسكرية مكونة من ثلاث حلقات أمنية وتحولت باحات الأقصى إلى مسرح للإشتباكات كما قامت سلطات الإحتلال الإسرائيلي بمداهمة بيوت الفلسطينين وإعتقال النشطاء والمدافعين عن الأقصى والموجودين فيه..

ثم تحولت المعركة التي بدءت سياسية إلى معركة عسكرية بعد أن قامت حركة حماس بإطلاق ثماني صواريخ على القدس ثم تل أبيب رداً على إقتحام الشرطة الإسرائيلية للمسجد الأقصى ثم دخلنا في دائرة الفعل ورد الفعل حيث قامت إسرائيل بقصف متواصل لعدة مدن داخل قطاع غزة وصلت إلى 650 هدفاً وبات واضحاً أن إسرائيل تريد إلحاق ضرر كبير لحماس والجهاد وتدمير البنية التحتية وإغتيال قيادات الصف الأول لذا استخدمت أسلوب الترويع وقصف المباني والأبراج الشاهقة المكتظة بالسكان بعد 24 ساعة فقط من بدء الحرب على غزة وركز القصف الإسرائيلي على أربع أهداف:

  • تصفية القيادات الميدانية المسئولة عن تفعيل منصات الصواريخ.
  • تصفية الخلايا المسئولة عن الصواريخ المضادة للدروع أو إصطياد هذه الخلايا.
  • تصفية الخلايا المسئولة عن الطائرات المسيرة التي تحمل متفجرات يتم قذف القوات على الحدود.
  • تدمير البنية التحتية والمقار السياسية والعسكرية واللوجيستية ومخازن الأسلحة والبنوك مثل البنك الإسلامي وبنك الإنتاج.

وفي المقابل ردت حماس بإطلاق 2000 صاروخ تم إعتراض 850 منها وصلت إلى تل أبيب وبئر سبع وديمونة ومطار بن جوريون  مما أدى إلى إغلاق المطار وأيضاً تم إطلاق صاروخ (عياش 250) يتم استخدامه للمرة الأولى في المعارك مع إسرائيل وهو ذو قوة تدميرية كبيرة إضافة إلى أربع طائرات مسيرة محملة بمتفجرات كانت متوجهة لمواقع إسرائيلية وتم إسقاطها.

وأمام هذا التطور الخطير قامت وزارة الدفاع الإسرائيلية بتجنيد 60 سرايا من حرس الحدود واستدعاء 7000 من الجنود الإحتياطيين لتعزيز قدرات القبة الحديدية وبلغت خسائر الإقتصاد الإسرائيلي في ثلاث أيام فقط 160 مليون دولار بحسب اتحاد المصنعين وبالرغم من ذلك فالخسائر الإقتصادية هامشية لكن الخسارة الأكبر في الجوانب المعنوية فالمواطن الإسرائيلي يتساءل ماذا سيحدث داخل إسرائيل؟ بعد دخول مئات الآلاف إلى الملاجئ وتصدع المجتمع الإسرائيلي خاصة وأنه بالتزامن مع جبهة غزة حدثت مواجهات من كل المدن العربية بين متطرفين يهود والشباب الفلسطيني من عرب 48 في مدن حيفا ويافا والرملة والليد التي قُتل فيها شاب فلسطيني على يد مستوطن إشتباكات وصفتها الشرطة الإسرائيلية بأنها الأعنف والأخطر وحذر الرئيس الإسرائيلي من تحولها إلى حرب أهلية.

المشكلة بدءت سياسية وتحولت إلى عسكرية بعد فشل نتنياهو من تشكيل الحكومة وتغيير المعادلة لذلك أراد أن يحقق بالنار مالم يحققه بصندوق الإنتخابات فهو كان يعلم ويدرك أن اللعب في القدس برميل بارود ولكنه كان على استعداد لفعل أي شيء حتى لا يتم إخراجه من المشهد السياسي حيث لا مصير له سوى السجن وتهم الفساد ونجح في ذلك ومنع خصومه في تشكيل الحكومة ثم أراد إستثمار التصعيد مع غزة خدمة لمصلحته السياسية الضيقة لذلك دفع باستمرار المواجهة عدة أيام للإبقاء على حكومة الطوارئ التي يرأسها ويريد أيضاً المزيد من الأهداف دون حصول حماس على أي مكاسب فقد كان لها مطالب بالقدس..

وبالنسبة لحماس كان يجب أن تعي ما يتعرض له الشعب الفلسطيني وتزايد الدماء والضحايا وإرتفاع فاتورة الشهداء التي وصلت إلى 139 شهيداً منهم 39 طفلاً و22 إمرأة فكيف تغامر في معارك وأنت غير قادر على حماية الشعب الفلسطيني.. إن حماس ليست الطرف الشرعي المعترف به دولياً ممثلاً للشعب الفلسطيني.. هناك سلطة فلسطينية موجودة على أراضي فلسطينية محررة لذا فليس من حق حماس أن تتخذ قرار حرب خاصة وأن إيران ليست بعيدة عن هذه الأزمة وتستخدم الورقة الفلسطينية للضغط على مفاوضات فيينا لتثبت أن لها دوراً إقليمياً يجب الإعتراف به..

حماس تريد تسهيلات إقتصادية وفتح المعابر وأن تثبت أنها أقوى من السلطة الفلسطينية ولذلك تقوم بعمل مزايدات على السلطة للحصول على مكاسب في الضفة التي باتت شعبية حماس بها أكبر تستخدمها في اي إستحقاق إنتخابي..

الموقف الأمريكي.. أول مرة الرئيس (بايدن) يجد نفسه أمام واقع الشرق الأوسط وهو مضطر الآن بعد أن كان يعتقد هدوء الوضع في الشرق الأوسط وموجه اهتمامه لقضايا أخرى مثل الصين وإيران حتى أنه لم يعين مبعوثاً للقضية الفلسطينية رغم أنه عين مبعوثاً لكل الأزمات وإدارة بايدن شأنها شأن كل الإدارات السابقة تنظر للقضية عبر عيون إسرائيلية لا أكثر لذلك كان التأكيد الأمريكي على حق إسرائيل في الدفاع عن النفس لكن هناك تخوف من تفجر الأمور وأن تصبح خارج السيطرة وتؤدي إلى صدام إقليمي مقلق لذا أعلنت الإدارة الأمريكية عن قيامها بما يقرب من 25 اتصال مع جميع الأطراف للوصول إلى تهدئة كما وصل أمس مبعوث بايدن إلى تل أبيب في محاولة لإقناع نتنياهو بوقف العملية على غزة.. لذا فمن الواضح ملامح الضغط الأمريكي والإختلافات في المقاربة الأمريكية عن السلام بين بايدن وترامب الذي أعطى إسرائيل مالم تحلم به على الإطلاق فإدارة بايدن تتحدث عن السلام وحل الدولتين وأن القدس هي مدينة السلام.

رغم تدهور الأوضاع فإن إسرائيل لا تستطيع أن تتجه لمعركة برية في غزة والاستيلاء على القطاع وإعادة الإحتلال نظراً للثمن المحتمل والأبعاد والإنعكاسات السياسية.. وأيضاً القيام بعملية محدودة لا جدوى عسكرية منها.. إضافة للمواجهات الدائرة في المدن العربية داخل الخط الأخضر إن ما تقوم به إسرائيل من بطش في غزة هي تحاول به تحقيق إنجاز معين بحثاً عن أهداف عسكرية لإجبار حماس على وقف الصواريخ والتصعيد االافت لا يلغي إحتمالية وجود إتفاقات غير مباشرة لوقف إطلاق النار لذا فإن تدهور الأمور لا يعني توقف جهود التوصل إلى تهدئة.. القاهرة تتدخل بحكمة وستنجح في تفكيك عناصر الأزمة.