شحاتة زكريا يكتب: غزة.. المقاومة بين السيف والجدار
لم تكن غزة يوما مجرد قطعة أرض ، بل هي نبض القضية الفلسطينية ، وميدان الصراع الحقيقي بين الاحتلال وأمل الحرية. اليوم ومع تصاعد التهديدات لنزع سلاح المقاومة تعيش غزة لحظة فارقة، ليس فيها مكان للضعف أو الاستسلام بل تحتاج إلى فهم عميق للخطورة التي تحيط بها.
قرار نزع السلاح الذي يدور في الكواليس السياسية والدبلوماسية لا يمثل مجرد خطوة عسكرية أو أمنية ، بل هو محاولة واضحة لتصفية القضية الفلسطينية من جذورها. فالمقاومة مهما كانت أوجهها ، هي الصوت الوحيد الذي يصمد أمام آلة الاحتلال التي لا تعرف الرحمة وهي الضمانة الوحيدة التي تبقي الأمل حيا في صدور الفلسطينيين وتردع العدوان الإسرائيلي عن استباحة المزيد من الدماء والأراضي.
هل هناك ضمانات حقيقية تحمي أهل غزة إذا ما نُزع سلاح المقاومة؟ الواقع يقول إن لا شيء يضمن ذلك. فإسرائيل لم تتوقف يوما عن انتهاك كل القوانين الدولية، ولا عن المضي قدما في تهجير الفلسطينيين وتدمير منازلهم وسجن قياداتهم. كما أن محاولتها لفرض “هدنة” تحت وطأة الضغط الدولي لا تهدف إلا إلى تهدئة العاصفة مؤقتا ليعاد ترتيب الأوراق على حساب الشعب الفلسطيني.
إن رفض إسرائيل حتى الآن إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة وقطع الماء والكهرباء والوقود يثبت أن نزع السلاح لن يكون بداية للسلام بل بداية لانفجار أعمق في المعاناة. كيف يمكن لمن نُزع سلاحه أن يحمي أهله من العدوان؟ وهل يمكن أن يكون هناك سلام دون عدالة وحقوق حقيقية؟
أما الضفة الغربية فهي الأخرى تعاني من تهجير ممنهج وهدم متواصل للمنازل في ظل صمت دولي يفاقم الأزمة. الاستيطان يزداد والحصار يتشدد والمقاومة هناك تواجه محاولات قمع غير مسبوقة. فلا مجال اليوم لأي تنازل قد يقضي على آخر رمق من الحقوق الفلسطينية.
التاريخ يعلمنا أن الشعوب التي نُزعت أسلحتها ظنا بأنها ستعيش في سلام ، كانت نهايتها الاستسلام والتهميش. الجزائر حاربت فرنسا أكثر من مئة عام وعمر المختار أسقط جيوشا إيطالية ، وأمريكا هُزمت في فيتنام وأفغانستان رغم كل قوة عسكرية. المقاومة ليست مجرد سلاح بل إرادة حياة ورفض للظلم.
ما يدور الآن هو مؤامرة تستهدف تصفية القضية الفلسطينية وتهجير أهل غزة لتُقام دولة إسرائيل الكبرى على أنقاض حلم الحرية. والأدهى من ذلك أن هذه المؤامرة تحظى بتواطؤ دولي صامت رغم كل النداءات الحقوقية والإنسانية.
لذلك على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته، وأن يوقف التواطؤ مع الاحتلال. وعلى الفلسطينيين أن يظلوا صامدين لأن غزة لم تستسلم يوما ، ولن تستسلم. كل شبر فيها هو حق أبدي ولن يكون هناك تهجير قسري أو تهديم للآمال.
وفي هذا الصراع لن تكون هناك حماية حقيقية سوى بالتمسك بالمقاومة والدفاع عن الأرض والكرامة ، وبالدعوة إلى محاسبة الاحتلال أمام المحاكم الدولية ، لأن القانون الدولي هو السلاح الذي يمكن أن يوقف آلة القتل لكنه يحتاج إلى إرادة حقيقية من الجميع.
غزة اليوم هي مرآة العالم ومقياس ضميره. فهل سيتوقف هذا العالم عن بيع الوهم ، ويتحول إلى سند حقيقي لشعب يستحق الحرية؟ أم أن المشهد سيبقى مأساة تضاف إلى سجل الألم الفلسطيني؟
في النهاية غزة ليست فقط مكانا على الخريطة ، بل هي رمز المقاومة ورسالة أن الحق لا يُهزم مهما استمر الظلم ، وأن الحرية قادمة لا محالة مهما طال الليل.