شحانة زكريا : ترامب.. الحليف الذي غيّر قواعد اللعبة

5

لا شيء يدوم في السياسة.. لا التحالفات، ولا العهود، ولا حتى “شهر العسل” بين واشنطن وتل أبيب. فها نحن نشهد فصولا جديدة من العلاقة التي كانت تُوصف يوما بأنها أقوى من الصداقة تتحول تدريجيا إلى ما يشبه الفتور السياسي بل وربما القطيعة المؤجلة.

اللافت أن هذا التحول لم يصدر عن إدارة ديمقراطية مثل إدارة بايدن بل عن دونالد ترامب نفسه ، أيقونة اليمين الأمريكي وأقرب رئيس أمريكي لإسرائيل بشهادة تاريخ نقل السفارة والاعتراف بالجولان. فكيف ولماذا تغيّر الموقف؟ ولماذا بدت إسرائيل فجأة كأنها مجرد رقم زائد في جدول مصالح ترامب؟

المتابع لتحركات الرئيس الأمريكي يرى بوضوح أن السياسة عند ترامب لم تعد لعبة قيم أو التزامات بل مسابقة جوائز كبرى يسعى للفوز فيها بالجائزة الأهم: نوبل للسلام ولهذا بدأ يرتب أولوياته من جديد: وقف النزيف في غزة إنهاء حرب أوكرانيا نزع فتيل المواجهة بين الهند وباكستان… لا لوجه الإنسانية بل لأن العالم المتصالح أكثر أمانا لأسواق المال ولأمريكا “البزنس”.

وسط كل هذا كانت إسرائيل تتراجع إلى المقعد الخلفي. وحين توصلت واشنطن إلى اتفاق مع الحوثيين دون إخطار تل أبيب لم يكن ذلك إهمالا دبلوماسيا ، بل رسالة صريحة: لسنا ملزمين بإعلامكم.. فأنتم لم تعودوا في موقع الشريك الكامل.

مشكلة إسرائيل اليوم ليست فقط أنها تُستبعد من بعض غرف القرار بل أنها عاجزة عن ملء الفراغ الذي تتركه أمريكا. فبينما كانت rely تعتمد على الدعم العسكري والاستخباراتي والغطاء السياسي ، أصبحت فجأة مضطرة إلى اتخاذ قرارات منفردة والرد على تهديدات كبرى دون سند واضح.

الضربات الجوية الإسرائيلية على اليمن قبل أيام ليست مجرد تحرك عسكري بل صرخة احتجاج صامتة: “نحن هنا ولن نُترك وحدنا”. لكنها في الوقت ذاته تكشف هشاشة الموقف الإسرائيلي ، ومحدودية قدرة الحكومة على المناورة دون دعم أمريكي مباشر.

أما في الداخل فالصورة تزداد تعقيدا. صواريخ الحوثيين وصلت إلى مطار بن غوريون، ونظام الدفاع الصاروخي المتطور أخفق في التصدي لها. الشارع الإسرائيلي غاضب والمؤسسة السياسية تتخبط ، ونتنياهو يواجه مأزقا غير مسبوق: حرب طويلة بلا نصر وحليف تاريخي بدأ ينسحب بهدوء.

ما يزيد من توتر المشهد هو تلميحات إعلامية متكررة حول إمكانية اعتراف ترامب بدولة فلسطينية ضمن صفقة وقف إطلاق نار مرتقبة. وإذا صحّ هذا فسيكون الانقلاب الأشد على تاريخ الدعم الأمريكي لإسرائيل منذ عقود.

لكن يبقى السؤال الأهم: هل ما نشهده هو لحظة عابرة في العلاقات الأمريكية–الإسرائيلية؟ أم أننا أمام “تدشين عهد جديد” تكون فيه إسرائيل جزءا من الحسابات لا مركزها؟

في كل الأحوال فإن الشرق الأوسط يُعاد رسمه الآن لكن بأدوات ليست عربية ، بل أمريكية–إيرانية–حوثية ، فيما تل أبيب تحاول التكيّف مع مشهد لم تعتد عليه: أن تكون على الهامش، لا في المتن.

أما ترامب فلا يكترث إن ربح نتنياهو أو خسر. المهم أن هو من ينتزع التصفيق في نهاية العرض… ويفوز بجائزة السلام.