زينة جرادي تكتب: ملاذ الحواس في عناق الحضارة المصرية

علم الآداب والأقصوصة عند المصريين القدماء لهما خصوصية وحميمية

65

إن طبائع العلوم في الحضارة المصرية القديمة مختلفة عما هي في الحضارات الأخرى متجلية بالحساسية والخصوصية لا سيما وأن المناخات العامة التي نشأت فيها كانت رطبة ومؤهلة لفرض هالة من التفرد عليها من حيث الدقة والمشهدية، فلا يمكننا أن ننسى بأن الحضارة المصرية الفرعونية شهدت اكتشافات علمية كبيرة، فكانت ومازالت لدى الباحثين تعرف (بالمعجزة ) بدءًا من سرية بناء الأهرامات إلى علم التحنيط وعلم الطب والفلك مرورًا بالرسم والأدب .

السيرة الأثرية في مكنونات هذه الحضارة :

حققت الحضارة المصرية القديمة (الفرعونية ) مكاسب مهمة من المعارف في عدة مجالات منها : الطب، الفلك، النظريات الهندسية ، الرياضيات ، فن الأقصوصة ، فكانوا من أوائل المبدعين في علم العمارة والهندسة وأول من اكتشف عمليات الجراحة .

دور الفلك وصيغة التقويم :

إن المصريين القدماء أول من ابتدع فكرة ( نظام التوقيت السليم ) الذي ساعد الإنسان على تنظيم شؤونه الاقتصادية والسياسية وقد قسموا في هذا النظام الأسبوع إلى (سبعة أيام ) وتعمقوا بدراسة علم الفلك من خلال رصد الأفلاك فأوجدوا الدائرة الفلكية المرتبطة بحزام ضابط لمسالك الشمس والقمر والنجوم . تألفت هذه الدائرة من إثنتي عشر مقسمة إلى ثلاثين درجة مما جعلهم يتمكنون من تحديد مسار النجوم والكواكب . هذة الثقافة الفلكية ساعدتهم على اكتشاف ما يعرف (بضبط خسوف القمر ) المستوحى عن البابليين لكنهم قاموا بتطويره علميًّا .

علم الرياضيا ت والهندسة:

إن القراءة العميقة في اكتشافات الحضارة المصرية القديمة تشكل مادة خصبة عند القارئ لما تختزنه من علوم ومعارف، فقد وضع العلماء ومعظمهم من الكهنة أسس العلوم محققين مراتب عالية في مجالي الهندسة والرياضيات من خلال بنائهم للأهرامات البالغ عددها عشرين هرمًا بنيت من الأحجار والهياكل والمسلات والبوابة والأعمدة العالية التي يقال من قصب البردى، كما حفروا القبور بالصخر والتماثيل المنحوتة وزينوها بالرسوم الملونة . درس المصريون القدماء ارتفاع منسوب مياه النيل وانخفاضها وفق قاعدة حسابية دقيقة كما اعتمدوا العد على الأصابع. من علومهم في علم الحساب: عرفوا الجمع،

الطرح، القسمة، وعرفوا الأعداد حتى العشرة ومضاعفتها للمليون فكانت علامة المليون عندهم على شاكلة إنسان رافع يديه كدلالة على الدهشة كما عرفوا الكسور وضربها وقسمتها مثل: المربع، المستطيل، المثلث، وأوجدوا وحدات للقياس وأوزان الكيل .

المصريون والطب :

نشأة الطب عندهم كانت عبر المعتقدات الشعبية البدائية فركزوا دراساتهم عن أحشاء الحيوانات خصوصًا (الكبد) وتوصلوا بعدها إلى تحديد تركيب جسم الإنسان واكتشاف العمليات الجراحية فتفوقوا فيها، خصوصًا وأن التحنيط ساعدهم على شق الجسم وإخراج أحشائه مما أخصب اطلاعهم طبيًّا بمعرفة أعضاء الجسم معرفة علمية مثل : القلب، المعدة، الامعاء، الرئة، الكبد، وغيرها؛ وما زالت مواد التحنيط التي كانت تستعمل آنذاك موضع أبحاث علمية حتى يومنا هذا كما ساعدهم سر التحنيط على معرفة خاصية الملح والصمغ بالحفاظ على الجسم الميت .

أجرى المصريون القدماء عمليات جراحية دقيقة مثل (ثقب الجمجمة) و(الأسنان ) وتوصلوا لمعرفة الدورة الدموية واتصال الأخيرة بالأوعية الموزعة في أجزاء الجسد .

الإرث الطبي:

ترك المصريون للبشرية ارثًا قيمًا في الطب ما زالت أسسه تدرَّس حتى يومنا هذا، وكانت العقاقير عندهم تصنع من النباتات والأعشاب والفاكهة حيث نقلها من بعدهم اليونانيون والرومانيون فيما بعد .

الآداب عند المصريين القدماء:

عرف المصريون القدماء الكثير الكثير من المعارف في مجال الآداب وكان هذا القطاع محروسًا من الكهنة حيث لقنوا هذه المعارف لأبناء العائلات الثرية في الهياكل فكان الكهنة يمسكون زمام السلطة ولا يدفعون الضرائب أو يؤخذون للسخرة والخدمة العسكرية . كان رئيس الاسطبل الملكي العظيم من يتولى منصب المعارف وهو يشبه وزير التربية اليوم وكان المدرس وظيفته تخريج الكتبة ومن وظائف الكتبة إحصاء السكان وتسجيل الموارد والمصاريف والإشراف على مقاييس النيل لمعرفة مواسم الحصاد كما يقومون بالإشراف على الشؤون الخاصة بالصناعة والتجارة؛ وقد كتبت كل هذة المعلومات وهذه المخطوطات على ورق منذ خمسة آلاف سنة ومازل الورق متماسكًا سهل القراءة حتى يومنا هذا .

إن المصريين القدماء أول من اكتشف الحبر الأسود غير قابل للتلاشي فكانت الأقلام عندهم مصنوعة من الخشب أو القصب وهي تشبه أقلام الرسامين ، وهم أول من استنبط الكتابة بحروف هجائية كانت معروفة بالحروف ( الهيروغليفية ) أي المقدسة وهي من أقدم الحروف التي عرفها الإنسان ثم طورها من بعدهم الفينيقيون . أما الإبداع الحقيقي عندهم فقد تجلى بالجودة والكمية فكانت آدابهم تتصف بالحكمة والفن القصصي وأول من ابتدع القصة الشعبية .

لو فتحنا التاريخ على ماضيه لاكتشفنا عظمة هذة الحضارة الخالدة التي تعرف من أولى الحضارات الغنية بالاكتشافات والعلوم والتي كانت ومازالت مصدرًا للمعارف في الكيان البشري .