«لعبة نيوتن».. مباراة في التمثيل ولوحة فنية للواقع!

14

مع دخول شهر رمضان ثلثه الأخير، تحتد المنافسة

بين الأعمال الدرامية المعروضة. منها من يتراجع وتظهر

عليه أعراض الوهن والملل بعد بداية ساخنة مبشّرة،

 

ومنها من يواصل التقدم محتفظاً بمشاهديه ومضيفاً إليهم المزيد بعد بداية ربما كانت هادئة وغير واعدة.

 

 

واحد من أكثر مسلسلات العام استقراراً وصعوداً على خريطة السباق الرمضاني هو «لعبة نيوتن»، إخراج تامر محسن وبطولة

منى زكي، محمد ممدوح، محمد فراج، عائشة بن أحمد، سيد رجب، مايان السيد، آدم الشرقاوي.

في زحام مزعج يبدو فيه الجميع وكأنهم يقلدون بعضهم البعض وينقلون عن بعضهم البعض، يبدو كل شيء

في «لعبة نيوتن» «طازجاً» وجديداً، الفكرة، السيناريو، الشخصيات، الأداء التمثيلي.

 

 

يدور «لعبة نيوتن» في عالمين مختلفين، مصر وأمريكا، ويناقش موضوعات لم تتطرق لها الدراما كثيراً: حلم الهجرة والحصول على الجنسية الأمريكية، وما قد يتسبب فيه من مشاكل صغيرة وكبيرة قد تمزق الأفراد والأسر.

حياة المصريين المهاجرين الواقعين بين تطرف الاستغراق في نمط الحياة الغربي ونسيان هويتهم، وبين التمسك المتزمت المريض بالهوية، الذي ينقلب إلى كراهية مضمرة وخبث وتطرف.

صعوبات الحياة التي قد تواجه زوجين متحابين بريئين وتحولهما بمرور الوقت إلى تعيسين متخاصمين. وفوق ذلك كله معنى الحياة والحب في عالم يسوده حب التملك ويتهدده الموت.

 

 

 

لكن أفضل ما في «لعبة نيوتن» أن هذه الموضوعات والأفكار لا تحتل الصدارة ولا تفرض نفسها فرضاً من خلال الحوارات

المدرسية المباشرة (باستثناء بعض المشاهد القليلة التي لم يستطع فيها صناع المسلسل مقاومة الميل إلى الشرح

 

والإرشاد!). يركز «لعبة نيوتن» معظم جهده ووقته على الشخصيات الرئيسية الثلاث: هنا (منى زكي) الزوجة البسيطة الحامل

التي تتفق مع زوجها على استغلال رحلة عمل لأمريكا للبقاء هناك وإنجاب طفلها هناك ليحصل على الجنسية الأمريكية، حازم

 

(محمد ممدوح) الزوج الطيب، الذي يجاهد عبثاً لتحسين حياته وتحقيق حلمه بعمل مصنع لإنتاج عسل النحل، ثم يستسلم لحلم

الهجرة مشجعاً زوجته على تدبير الخطة، التي تنقلب إلى كارثة ذات ذراعين تضرب الزوجين من اتجاهين.

 

الشخصية الثالثة هي مؤنس (محمد ممدوح) رجل الأعمال «الاسلامي» الحاصل على الجنسية الأمريكية، الذي يستخدم الدين

والتدين الشكلي كواجهة لتحقيق مآربه المادية والعاطفية، والذي يقع في حب هنا ويستغل المصائب التي تنهال عليها ليفرق بينها وزوجها ويتزوجها.

 

 

 

يركز «لعبة نيوتن» على تحليل شخصياته الرئيسية الثلاث، ورسم صورة من لحم ودم وأعصاب، تكاد تنطق بالواقعية والصدق.

ويبدع الممثلون الثلاثة، منى وممدوح وفراج، في أداء شخصياتهم بشكل لا ينسى، ولن ينسى في تاريخ الدراما التليفزيونية.

 

بشكل عام يتميز عنصر التمثيل في «لعبة نيوتن»، ويبرع كل من سيد رجب وعائشة بن أحمد وآدم الشرقاوي في أداء أدوارهم،

مع ملاحظة أنها لم تكتب بالعمق ولا الواقعية نفسها التي كتبت بها شخصيات هنا وحازم ومؤنس، إذ يغلب عليها النمطية

واستخدام النماذج الجاهزة المعتادة.

يؤكد تامر محسن في رابع أعماله التلفزيونية بعد «بدون ذكر أسماء»، «تحت السيطرة» و«هذا المساء»، أنه مخرج متمكن،

 

ولكنه يكون في أفضل حالاته في الأعمال التي تحمل مضموناً فكرياً واجتماعياً، والتي تحلل الواقع المصري وشخصياته،

ويفضّل التعبير عن أفكاره من خلال الصراع الدرامي والشخصيات المتقابلة المتعارضة، وليس من خلال الحوار المباشر.

 

وتامر في «لعبة نيوتن» هو صاحب الفكرة والشخصيات الرئيسية، والمشرف على ورشة الكتابة التي صاغت السيناريو. ومن أفضل مميزات «لعبة نيوتن» أنه رغم قصته التي تبدو كحكاية زواج يتحطم، يحمل قدرا من التشويق والتصعيد الدرامي

 

المستمر، ويضم كثيراً من المشاهد القوية والصعبة التي تتيح لكل ممثل أن يقدم أفضل ما عنده. وعلى سبيل المثال هناك مشاهد ضياع هنا في أمريكا في الحلقات الأولى، وقيام حازم بقتل البلطجي الذي يتنمر عليه بإطلاق النحل عليه في الحلقة

الرابعة، ومشهد ولادة منى زكي وإصابتها بانهيار عصبي في الحلقتين العاشرة والـ11، ومشهد مواجهة حازم ومؤنس في

الحلقة الـ19، لكن هذا التشويق والأداء التمثيلي لم يكنا ليفلحا إذا لم يكن خلفهما نص درامي وحوار مكتوب جيداً ومخرج

يعرف كيف يدير ممثليه وأين يضع كاميراته وكيف يقطع مشاهده ويختار الموسيقى التي تؤثر دون أن تشوش أو تطغى.